«عندي امتحان رياضيات ادعوا لي بالنجاح»... «بنات، اللي عندها وصفة الكيك بالتوابل ترسلها وأدعو لها بالزوج الصالح والستر»... «تحية لبنات وشباب أول ثانوي وبالتوفيق للجميع»... «إذا أحد عنده وصفة تبييض للبشرة ترسلها الله يحفظها»... «شباب ما في جهاز لاب توب نظيف ومستعمل للبيع»... هذه ليست مجموعة من إعلانات الصحف بل مقتطفات من الشريط الموجود أسفل إحدى القنوات الفضائية الخاصة. الشريط يحمل أكثر من ذلك فالسيدة «أم الخير» مثلاً دعت الفتيات إلى إرسال مواصفاتهن لتجد لهن العريس المناسب، والدعوة مفتوحة لكل الجنسيات مع تحية من «الخطّابة» وعنوانها الإلكتروني. كذلك أرسل «سعيد» مواصفاته من وسامة ومؤهل تعليمي وحالة اجتماعية، مع مواصفات العروس التي يتمنى أن يجدها على الشريط. أما «أم بدر» فملأت الشريط بالوصفات الطبية من استخدام الزيت الحار للجسم وفك العضلات، إلى الحلبة والزنجبيل وفوائدهما وأهمية الأعشاب لعلاج الأمراض، فيما ملأت «بدور» الشريط بأسماء ومقادير اختراعاتها من الأطباق الدسمة من الحلو والمالح. أضف إلى ذلك أسئلة بعض الفتيات من بينهن «منار» التي سألت عن آخر ألوان الموضة لهذا الموسم، أو «سناء» المحتارة في اختيار اللون الذي يليق ببشرتها الحنطية فطلبت المساعدة، وما بين جملة وأخرى تجد تحيات وإهداءات معنونة بأسماء عائلات وقبائل معروفة. لكن ما الذي يدفع الناس للتواصل عبر التلفزيون مقابل دولارين وأكثر للرسالة الواحدة، مع أن التواصل عبر الهاتف أو الرسائل بأنواعها أقل كلفة مما يُدفعُ للشريط. الخطابة «أم الخير» وجدت وبلا شك أن التلفزيون من أفضل وسائل التسويق في ما يخص عملها، والدعوة ستوجه للجميع من متابعي الأشرطة التلفزيونية ما يعني أن يزداد الطلب عليها وأن تزيد الطلبات الموجهة لها من الجنسين. لكن العديد من الفتيات يلجأن ربما لهذه الوسيلة رغبة في التواصل الاجتماعي مع أشخاصٍ لا يعرفون عنهن شيئاً سوى الاسم أو اللقب المذكور على الشاشة، أو كنوع من التميز باستخدام وسيلة مختلفة أو مكلفة مقارنة بغيرها للتواصل، أو للقضاء على الفراغ الذي تشتكي منه نسبة من الخريجين الذين لا يجدون وظيفة أو رفقة مناسبة. إلا أن هذه الوسيلة للتواصل تثير جدلاً حول قبولها أو رفضها، وإن كانت ذات فائدة أو مجرد تضييع للوقت والمال... فالمعلمة أشواق مالك تؤيد استخدام الشريط وتؤكد أنها من متابعاته وتستفيد كثيراً من الوصفات أو التعليقات المكتوبة عليه بخاصة المتعلقة منها بالعناية بالبشرة أو وصفات الطعام، مع أنها تستبعد إرسال هذا النوع من المشاركات وعرضها على شريط تلفزيوني. وتدافع مها عن استخدامها الشريط بقولها: «إنها وسيلتي للتواصل مع العالم من دون رقيب أو معارضة من أحد في محيط تكثر فيه الانتقادات وتقابل طلباتي وأفكاري بالرفض». وتضيف أن الجلوس في المنزل سبب رئيس لاستخدام هذه الرسائل. أما لمياء فتجد فيه طريقة للتواصل مع صديقات وأصدقاء من دون أن يعرفوا عنها شيئاً وبعيداً من القريبات والصديقات اللاتي تجتمع معهن دائماً ويكررن الحوارات نفسها. وتتبادل «خلود» وشقيقها «ماهر» الطالبان في المرحلة الثانوية، الرسائل والإهداءات مع الأصدقاء تحديداً قبل فترة الاختبارات، كنوع من الدعم أو المجاملة للأصدقاء، الأقارب أو أبناء العمومة. ويرى خالد أن من العيب عدم «رد الرسالة بأحسن منها» وكلما تكررت زاد التقدير، ويشاركه الرأي الموظف طارق الذي يراها نوعاً من التميز والوجاهة الاجتماعية. لكن وضع منال واضطرارها للبقاء في المنزل بعد الثانوية العامة والرقابة المفروضة عليها من أشقائها الأكبر سناً من أسباب استخدامها للشريط مهما كانت قيمته مرتفعة، وتكمل بالقول «ان الفراغ سبب رئيس لتوجه الشباب والفتيات إلى وسائل مختلفة للتواصل تحديداً مع عدم وجود حاسب آلي في المنزل أو فرض رقابة شديدة دون مبرر، مع العلم أن الرسائل التي أُرسلها أنا وغيري من الصديقات لا تحوي ما يخدش الحياء وإنها جمل عادية جداً». ويرى الاختصاصي في علم الاجتماع سالم شديد، أن «التواصل الاجتماعي والرغبة في التواصل سلوك بشري طبيعي وإن اختلفت أشكاله، وعدم التواصل دليل على خلل في الشخصية، وإذا تطلعنا على بعض هذه الرسائل سنجد أن الرقابة الخاطئة التي يمارسها بعضهم وتصل لدرجة الضغط تؤدي إلى استخدام وسائل مختلفة للتواصل وإن كانت مكلفة، أي أنها نوع من الهروب أو تفريغ رغبات اجتماعية ونفسية بهذه الطريقة من التواصل. ويدل البعض منها على اهتزاز أو ضعف في الشخصية وصعوبة في اتخاذ القرارات البديهية والبسيطة، أو التعبير عن العزلة أو وضع قهري يمر به بعضهم واستخدامها للوجاهة والمجاملة كونها مكلفة نوعاً ما، أضف إلى ذلك الاستفادة منها في التسويق والدعاية لمنتجات أو أفراد». ومهما اختلفت الأسباب يبقى الشريط وغيره من الأشرطة الموجودة أسفل الشاشة وسيلة للتعبير عن النفس، سواء كان وصفات تدل على خبرة مرسلتها في فنون الطهو، أم تجارب الحياة، أم حتى الحاجة إلى الدعاء قبل تقديم الامتحان، ومصدر دخل لا يستهان بمردوده لمالكي الفضائيات.