تقول لي صديقتي الاستاذة الجامعية أنه أثناء اختبار مادة لها، تم ضبط احدى طالباتها وبحوزتها «برشام» عالي التقنية، ولم تجد الفتاة، وهي تفتش عن اعتذار على فعلها سوى أن قالت: إنه الشيطان. لكن الشيطان لم يكن الوحيد المسؤول عن تورط طالبة في الغش، ففي ثنايا القصة تبين للأستاذة أن للشيطان عملاء يعملون في العلن في مكاتب خدمة الطالب، وهم من يقوم بإعداد هذه «البراشيم» وبيعها. وفي معرض بيع الخدمات العلمية هذه اسرت لي زميلة جامعية أخرى بأن زملاءها الجامعيين من العرب الوافدين يبيعون لزملائهم بحوثاً للترقية الجامعية تحت جملة لطيفة تظهرك بمظهر المتفضل عليهم بقولهم: «دا اسمك حينور البحث يا دكتور». صديقتي الأخرى التي تُدرّس في إحدى الجامعات البورجوازية لم تجد للشيطان دوراً في نقاشها مع طالباتها عن مفهوم الغش في الاختبارات، فقد اعترف معظم الطالبات - اللاتي شعرن بدرجة عالية من حرية التعبير داخل قاعة الدرس وكونهن خارج نطاق التحقيق والتهمة - بأن معظمهن يغش، لكن هذا ليس هو مربط الفرس، بل في تعريفهن لمفهوم الغش، فأستاذة الجامعة التي أرادت أن تنطلق من منطلق الموقف الديني من أن الغش حرام، جوبهت بعاصفة من الاعتراض وتصحيح مفهومها المتخلف عن الغش، فالغش المحرم في الدين كما يفهمنه هو الغش في البيع، وليس الغش في الاختبارات، لأنه في وقت الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ما كان هناك غش في الاختبارات، وإذا زدنا من الشعر التربوي بيتاً فإن الغش في مادة الإنكليزي مسموح، لأنها لغة الكفار. الغش عندما يفرغ من مضمونه الأخلاقي، ويتحول إلى مضمون «أيديولوجي» و»براغماتي»، ويوافق عليه الشيوخ والآباء والمدرسون، يتحول إلى مجرد عادة يختلط بها السلوك، من دون أن يعيب صاحبه أو يقلل من شأنه ومن خلقه. الطالبات اللاتي يقبلن رواج الغش، هن في الأصل، متدينات بل شديدات التدين. لكنهن لم يسمعن في دروسهن الوعظية تشديداً على أن الغش هو كل ما يمتُّ لمعنى الكذب والتدليس وهضم حق الآخر، فدروس الوعظ حولهن لا تهتم سوى بأحاديث النامصات والكاسيات العاريات، وضرورة قبولهن لزواج التعدد، (أيْ منهج ترويضهن) لتحويلهن إلى جوارٍ لا إلى كائنات يرتفع بهن الخطاب الديني نحو إنسانيتهن، وتربيتهن على أخلاق رفيعة يتطلبها حس المشاركة الاجتماعية وخدمة المجتمع. التعليم لدينا اليوم أفرغ من مضامينه التربوية والعلمية، ولم يعد سوى خطاب «أيديولوجي» يكاد يخص فئة، أكثر مما يخص مجتمعاً سوياً. للأسف، لم نعد نطمح من التعليم أن يهدينا أفراداً، أسهم في تهذيبهم وتثقيفهم، وحرص على تبنيهم مواقف سوية بل مثقفة تجاه مفهوم الدولة والقانون والمجتمع بشقيه نساءً ورجالاً، بل ويزيد عليها مواقف واعية تجاه قضايا كالبيئة والمشاركة الاجتماعية. حين يتورط التعليم ومن خلفه الخطاب الديني في تبرير الفساد تبريراً سياسياً، ويتخلى عن دوره في فضح الفساد بكل مفاهيمه، مهتماً بالتمسك بقشور كاذبة لا تدل إلا على الرياء والنفاق والتقيا وليس التقوى، فإن الفساد يتحول إلى «مافيا» غامضة، والطرف الوحيد الذي نعرفه ونحيل تهم الفساد بحقه هو الشيطان. [email protected]