في معرضه الجديد المُقام حالياً في غاليري «رؤى» في عمان، يُعيد الفنان التشكيلي الأردني إياد كنعان الاعتبار للمخيلة، ليس باعتبارها حارسةً للذكريات، ولكن باعتبارها النافذة السحرية التي تنفجر من خلالها الصور الجديدة والمشاهد الغرائبية. مثل هذه الصور والمشاهد لا تشبه الصور والمشاهد الأولى المعتادة في شيء يُذكر، ذلك أنها مستلة من طبقات الحلم. إنها الصيغة الجديدة المقترحة للأرض القديمة التي تداعت، والواقع الذي تبدد وانحل. يرتكز عمل الفنان في هذا المعرض الذي سماه (شتاء، بحر وأشياء أخرى) على ما يمكن أن نسميه رمح الطفولة، ذلك الرمح المتلامع المشدود تحت الخاصرة، والذي يظل يرافق المبدع في حله وترحاله مثل مصير محتوم. هنا لا بد من التنويه إلى أن طفولة الفنان هي طفولة مختلفة اختلافاً كبيراً عن الطفولة الأولى، فهي طفولة مصعدة إذا جاز لنا التعبير، ومزودة بالخبرات والرؤى. في اللوحات المعروضة نلمح أصابع مدربة تلعب وريشة تطير في فضاء الأمداء المفتوحة على الزرقة. ثمة لعب حر هنا، سباحة وطيران على أنغام الموسيقى الرقراقة الحالمة التي يبعثها تلاطم الموج، أو تساقط المطر. يظهر البحر في اللوحات، تظهر الأسماك والشواطئ، كما تظهر الأشجار وقد اغتسلت سيقانها وأغصانها تحت المطر. ولكن تلك المشاهد التي نراها في اللوحات هي المشاهد الجديدة التي ولدتها المخيلة، ويدها الضالة العابثة (الطفولة). في هذه الأجواء نلمح البحر وقد تحلل من هيئته القديمة المتداوَلَة واتخذ أشكالاً أخرى، فتارةً نراه غائراً في طبقات الأرض، وتارةً نراه متوزعاً على شكل مِزَقٍ زرقاء متناثرة في المكان، وتارةً نراه وقد فز من مكمنه ووقف على هيئة ساقٍ مائية عظيمة، والأسماك تطير حوله وتتقافز كما يفعل الحمام. الأشجار بدورها اتخذت ملامحها الجديدة، سواء على مستوى الهيئة، أو على مستوى اللون. في إحدى اللوحات رسم الفنان سيقان الشجر باللون الأحمر، وفي الأعلى ترك الأزهار تتطاير في رقصة شبيهة برقصة الفراش. على مستوى الأمكنة التي تتحرك فيها اللوحات ثمة شجاعة من نوع خاص في تشكيلها، بخاصة على صعيد الكتل اللونية السوداء والحمراء والرمادية والصفراء التي تجاورت بألفة على رغم غرابتها. ما نود الإشارة إليه هو المغامرة الجمالية الدؤوبة التي تُشغل بال الفنان، في القبض على لحظة الحلم المتطايرة، والتي قادته في النهاية إلى التجريد. وفي سبيل ذلك فقد لجأ الفنان وهو يرسم عناصر الطبيعة، والبحر تحديداً إلى تغيير أشكالها وألوانها، كل ذلك ساهم في إثراء اللوحة، وفتحها على التأمل. قدم الفنان في هذا المعرض خمسة وثلاثين عملاً، عالجها بأسلوب الكولاج ورسمها بالألوان المائية والأكريلك، كما استخدم الألوان المعدنية (الميتاليك) والزجاج. كل ذلك صنع لديه سطحاً غنياً للوحة.