أعلنت (اللجنة السورية لاستبدال عملة التداول) في مدينة حلب مطلع الأسبوع الماضي بدء تطبيق القرار المشترك للقوى الثورية والفصائل العسكرية، والذي ينص على تداول العملة التركية في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام. وبررت القرار بخمسة أسباب، أبرزها انهيار قيمة الليرة وارتهانها للقرار السياسي الروسي والإيراني. وطرحت في المؤتمر الصحافي لإعلان القرار سبعة أسئلة، تناول أحدها تبعات هذا التحول على الجسم الاقتصادي السوري، بينما دارت الستة المتبقية حول كيفية التطبيق ومسائل إجرائية أخرى. وإن كانت بيئة النقاش في المؤتمر المذكور تعكس شكل النقاشات واتجاهاتها بين الحلبيين وبقية سكان الشمال، وعندها يصح القول إن الجوانب الأهم في هذا الانتقال الاقتصادي لم يسلط عليها الضوء بعد. خطة الاستبدال يقول محمد غياث إن لجنة الاستبدال التي هو عضو فيها تضم ثلاثين شخصاً، ثلثهم من الاقتصاديين والباقون محامون ورجال دين وعسكريون وغيرهم، وهؤلاء «إما مستقلون أو يمثلون قوى ثورية أو عسكرية». وتعد اللجنة الجهاز التنفيذي لخطة الاستبدال التي وصفت أبرز ملامحها في نص القرار المشترك الموقع من جانب «أكثر من عشرين جهة عسكرية وقضائية ومدنية في حلب»، وفق غياث. ويضيف غياث: «العملية تمتد لثمانية أشهر، بدأنا العمل أواخر أيار، ومنذ أيام دخلنا مرحلة التطبيق في حلب، بينما سنبدأ العمل في إدلب بعد شهر ومن ثم في حماة فاللاذقية». وينتظر من هذه العملية أن توقف تدفق العملة الصعبة إلى مناطق النظام والتي تنتهي غالباً إلى خزينة المصرف المركزي السوري، كما المساهمة في استقرار الأسعار ونجاة أموال المواطنين من «سفينة الليرة السورية الغارقة» وفق وصف غياث. يستند عمل لجنة الاستبدال إلى دراسة أعدته نقابة الاقتصاديين السوريين الأحرار. تنبئ الدراسة بنهاية وخيمة لليرة السورية، وتنصح بالقفز إلى التركية لكن «بشكل موقت ولحين طباعة العملة الوطنية الجديدة» كما يوضح غياث العضو في النقابة أيضاً. وتعدد الدراسة المنشورة في اثنتى عشرة صفحة، ست مراحل لعملية الاستبدال تبدأ بتحديد المناطق المستهدفة وتنتهي بسحب الليرة السورية من الأسواق وقصر استخدامها على عمليات الشراء من مناطق سيطرة النظام. ويقول غياث إن «سوق التداول في الشمال السوري تحتاج في الحد الأدنى إلى 275 مليون ليرة تركية وضعف هذا الرقم في الحد الأعلى لتتحقق عملية الاستبدال»، ويضيف: «نعتمد على الصرافين لتوفير كميات النقد التركي المطلوبة من مختلف الفئات وتلبية احتياجات التداول في السوق، وقد شكلنا لجنة للاتفاق معهم». وعند السؤال عن الموقف التركي من تسرب كميات كبيرة من عملتها خارج الحدود، وعن ضمانات أن لا ينقطع الضخ من تركيا لأي سبب، رد غياث: «العملية تصب في مصلحة الاقتصاد التركي ونحن لدينا مليونا لاجئ هناك، لقد شكلنا لجنة للتواصل مع الحكومة التركية، فالمسألة حساسة وعندما يطرأ شيء جديد بهذا الخصوص سوف نعلنه». وختم: «لكن الأمور طيبة». تنفيذياً عملت لجنة الاستبدال خلال الأشهر الماضية على الترويج للاستبدال عبر حملة سميت «استبدل عملة قاتل الأطفال» ، نشطت فيها قوى دينية، كالهيئة الشرعية في حلب وجبهة علماء الشام، التي أصدرت بياناً سمي «فتوى» تجيز الاستبدال. كذلك قوى مدنية، كالمجلس المحلي لمدينة حلب، الذي احتضن في مقره اجتماعات تأسيس اللجنة. وعسكرياً وقعت على القرار المشترك باستبدال العملة أكثر من عشر فصائل في حلب، ليس بينها «جبهة النصرة» أو «أحرار الشام»، لكنها ضمت فصائل مؤثرة محلياً، كجيش المجاهدين وتجمع «فاستقم كما أمرت». ولم تكد الناس تستجلي التعقيدات التي يفرضها عليهم هذا القرار حتى بدأت القوى المشتركة في تنفيذ قرارها. الهيئة الشرعية ومديرية الأوقاف كانتا أولى المؤسسات التي صرفت رواتب موظفيها بالليرة التركية يوم إعلان القرار. التبعية ومشكلات اقتصادية أخرى يحدد إبراهيم ميرو تحديات اقتصادية عدة تنتظر القائمين على عملية الاستبدال، أولها: «الحاجة إلى جهاز مالي مركزي وآلية لضبط الأسعار، كما أن إدخال كميات كبيرة من العملة التركية وبمختلف الفئات يتطلب موافقة المصرف المركزي التركي. وكذلك التحدي اللوجستي المتعلق بقدرة الصرافين على تأمين الكميات المطلوبة من النقد للسوق السورية أمر لا يستهان به. وأخيراً من سيشترى الليرة السورية التي تم الاستغناء عنها؟ ما الذي سيجبر الصراف الباحث عن الربح الأقصى على شراء الليرة السورية؟ هل سنشترى بضائع من مناطق النظام بقيمة كل السيولة النقدية في سوق الشمال؟.. إن فعلنا ذلك من يضمن أن لا تحدث عملية ضخ معاكسة لليرة السورية باتجاه سوق الشمال مرة أخرى؟». وبحسب ميرو أيضاً فإن التجربة جديدة ولا يسهل التنبؤ بنتائجها، لكنه يربط تلك النتائج -أياً كانت- بحقيقة أن «الدولرة قائمة في التبادلات التجارية السورية الداخلية والخارجية منذ سنوات، وحتى التجار الأتراك أنفسهم يعتمدون على الدولار في تعاملاتهم، وبالتالي لن يكون للاستبدال تأثير عميق على قطاع التجارة طالما أن التجار لن يستغنوا عن الدولار لمصلحة الليرة التركية المتعبة». وبخلاف ميرو يرى الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح، أن «فرض نقد تركيا على جزء من سورية أو كلها، يعني هيمنة البنك المركزي التركي على الاقتصاد السوري -جزءاً أو كلاً- ويعني إلحاقاً للاقتصاد السوري برسم السياسة الاقتصادية التركية وصولاً الى حالة من الإندماج الاقتصادي للشمال مع تركيا»، ويوضح المصبح أن «تأثيرات سياسات المركزي التركي سوف تطاول مؤشرات اقتصادية أساسية كالتضخم والنمو الاقتصادي والتشغيل والبطالة». هوامش التأثير على النظام يتوقع غياث أن تنخفض قيمة الليرة السورية بعد الاستبدال إلى 400 ليرة مقابل الدولار كنتيجة أولية لانخفاض الطلب عليها. وهو أمر ممكن، لكن درجة تأثر النظام اقتصادياً مرتبطة بثلاثة عوامل، وفق ميرو: «أولها كمية النقد السوري التي ستدخل مناطق النظام ويفرض عليه استيعابها، كذلك أداء المصرف المركزي والسياسات التي يتبعها للتعامل مع كميات النقد المعاد، وأخيراً قدرة الجهاز التنفيذي في الشمال على إنجاز عملية الاستبدال بسرعة وكفاءة». «جماعة شكراً تركيا يريدون ضم حلب إلى تركيا»، هكذا عبّر الصحافي والناشط أحمد بريمو عن موقفه، وأضاف: «لم يتبق لنا من سورية سوى هذه العملة، العلم استبدلناه ومؤسسات الدولة حاربناها، ماذا بعد ذلك؟». بينما لا يجد المصبح حرجاً في وصف الحالة بأنها: «احتلال اقتصادي تركي للشمال السوري». والحقيقة أن هذه الهواجس تؤرق شريحة لا بأس بها من السوريين كما يقول الناشط السياسي هشام إسكيف من حلب: «تطبيق الفكرة في هذا الوقت سياسي لا علاقة له بالاقتصاد.. الليرة هي عملة سورية وليست عملة نظام، ونحن سنحافظ عليها في وجه من يحاول قضم جزء من سورية». يدافع المؤيدون بأن الاستبدال موقت، وبغرض التداول فقط حيث تبقى التعاملات التجارية الكبيرة تجري بالدولار والذهب للادخار، غير أن أحداً لا يمكنه التنبؤ كم سيستمر هذا الاستبدال «الموقت»، وما النتائج التي يمكن أن يخلفها، بخاصة أن استعادة العملة السورية مرتبطة باستقرار البلاد وإصدار عملة وطنية جديدة عن مصرف مركزي جديد. السوري التائه بين العملات يقول أبو عبدو (الأربعيني من حلب): «يقولون إن أسعار السلع ستحدد بالليرة السورية والتركية معاً، لكن هل ستكون تلك أسعارنا السورية نفسها؟ أم سترتفع إلى مستوى الأسعار في تركيا؟.. لقد دخلنا في دوامة». سيدة تتقاضى راتبها التقاعدي بالليرة السورية تقول: «لماذا علي أن أحول راتبي إلى التركية كل شهر؟ وماذا سيتبقى منه بعد التحويل؟»، أما عامر اليافع الذي يعمل في مكب للقمامة فيقول مبتسماً: «سيصبح أجري الأسبوعي عشرين ليرة بدل ألفين وخمسمئة، قد يكون ذلك أفضل، من يدري؟!»، ومن دون تردد يجزم أبو سليمان تاجر المواد الكهربائية: «سيكون التعامل بالتركية أفضل بكثير، لن تتقافز الأسعار حينها وستصبح السوق أكثر ثباتاً».