عاماً تلو آخر، تشهد صناعة الإعلام في العالم قفزات لافتة وتطورات مذهلة ألغت فرضية تأخر نقل الأخبار أو صعوبة الاستقصاء عن قضية ما، إذ أضحى أي شخص في متناوله أن يكون صحافياً ولو لبعض ساعات؛ لأن الأخبار لم تعد حكراً على أحد، في ظل ثورة تكنولوجية وإعلامية غير مسبوقة. مع التطور التصاعدي لوسائل الإعلام منذ بداية العقد الأول من الألفية الثالثة، فطن منذ سنوات قليلة مدير مركز «نايت» لريادة الإعلام الإلكتروني في جامعة ولاية أريزونا وكاتب الأعمدة الشهير في مجال التكنولوجيا وإدارة الأعمال الأميركي دان غيلمور لما يسمى «صحافة المواطن» عبر كتابه ذي المبيعات المرتفعة في أميركا: «نحن الإعلام: الصحافة الشعبية من الناس وللناس». عُرض الكتاب - الذي يستعد مؤلفه لكتابه الجديد Mediactive - في السفارة الأميركية في القاهرة كجزء من برنامج الترجمة العربية للكتب في السفارة، لإتاحة أفضل الكتب الأميركية للقراء العرب. أكثر الأشخاص تفاؤلاً لم يكن ليتوقع مزاحمة الراديو والتلفزيون للجريدة وللمجلة وأن يصبح كل هؤلاء في منافسة شرسة مع ما يعرف حالياً بالإعلام البديل أو الصحافة الشعبية المتمثلة في المدونات والمنتديات والمواقع الاجتماعية، مثل «فايسبوك» و «تويتير». لكن طوفان التغيير اجتاح التقليدية في الإعلام. ففي عام 1999، أطلق غيلمور أول مدونة إلكترونية لصحافي يعمل في وسيلة إعلام تقليدية، إذ اعتاد تدوين مقالاته على مدونته الشخصية، ما ساعده في التفاعل مع قرائه ولفت نظرهم الى آرائهم التي كان بعضها ينم - بحسب رأيه - عن إلمام جيد بجوانب الموضوع المثار في شكل أفضل منه أحياناً، لذا كانت «المدونة وسيلة أخرى للتعلم». يُبرز الكتاب الذي يقع في خمسة أجزاء نشأة الصحافة الشعبية المعتمدة على الإنترنت والتحولات التي طرأت على كيفية صنع الأخبار وتلقيها. ويطرح أسئلة عن مدى تقبل وسائل الإعلام الجديدة لوسائل الإعلام التقليدية، وكيفية إنتاج الأخبار بواسطة أشخاص عاديين عبر المدونات الشخصية ومجموعات الحوار عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني... وغيرها من الوسائل، فضلاً عن مستقبل الصحافة عموماً. ويرى غيلمور أن الصحافي والمشاهد والمستمع... أضحوا جزءاً لا يتجزأ من المطبخ الإعلامي، خصوصاً أن الصحافي المواطن بات لا يقتنع بتلقي الأخبار من الإعلام التقليدي فقط، بل ينشر ما يقع تحت يديه عبر وسائل الإعلام الجديدة والمتنوعة، ما يعني وصول المادة الإعلامية إلى شرائح وفئات عدة. ويؤكد غيلمور في كتابه أن سطوة صانعي الأخبار في العالم تتلاشى يوماً بعد يوم، في ظل ثورة الاتصالات والتكنولوجيا، إذ «أصبحنا جميعاً نملك مطبعة»، وبالتالي يمكن أي شخص إنتاج الأخبار أو نشر وجهة نظره بسهولة. ويشير إلى أن المشكلة التي ستواجه الإعلام مستقبلاً ليست تعدد الوسائل، ولكنها مدى صدقية الوسائل التي يتعرض لها الفرد، ذلك ان «متلقي المادة الإعلامية سيقع عليه عبء البحث المستمر للتأكد من صحة المعلومة المعروضة. فأي فرد يملك الموهبة والوقت يستطيع إقامة نظام بث محمول أو وسيلة إعلامية جديدة، من دون أن ينفق ثروة في ذلك». ويعطي غيلمور نماذج على الاهتمام المتزايد بهذا النهج الإعلامي الجديد، أبرزها مقابلات مالك شركة «مايكروسوفت» البليونير الأميركي بيل غيتس مع مدونين (بلوغرز)، وإيمان مسؤولين تنفيذيين في شركات أخرى بأهمية هذا التيار وتأثيره، فضلاً عن نجاح موقع OhMyNews.com الكوري الجنوبي الذي يشارك في صنع أخباره صحافيون مواطنون حول العالم، وينشر باللغتين الكورية والإنكليزية، محققاً نجاحات مدهشة على رغم تواضع موازنته. أما إعصار كاترينا الذي ضرب أورلينز الأميركية عام 2005، مخلفاً دماراً شاملاً للمدينة، فلم يستطع كبح جماح الإعلام الحديث. إذ استمرت صحيفة «تايمز بيكيون» في تقديم خدمتها الصحافية لقرائها عبر نسخة إلكترونية، بعدما غادرت مبنى مكتبها على خلفية الإعصار. ويتوقع غيلمور اختفاء الصحافة الورقية، إلا أن الانتقال من الصحافة الورقية إلى الصحافة الالكترونية يسير بنمط أسرع في الولاياتالمتحدة مقارنة ببقية دول العالم، بحسب رأيه. ويأمل غيلمور ألا تطغى وسيلة إعلامية على أخرى مستقبلاً. ويلفت إلى أن المدونات تعد أكبر نقلة ديموقراطية في تاريخ البشرية، لمواجهتها وسائل الإعلام التقليدية بتحدٍ استقطب الملايين على رغم حداثتها لعدم تطلبها أموالاً باهظة أو دراسات معقدة، وبالتالي «يمكن لشخص واحد أو مجموعة صغيرة تحقيق ما تحققه مؤسسة إعلامية»، بحسب رأيه.