في الوقت الذي تحتفل فيه روسيا، وهيئات مسرحية عديدة في العالم، بالذكرى 50 لولادة واحد من مؤسسي الحداثة في فن الخشبة وفي القصة القصيرة انطون تشيكوف، جرى في بعض الأحيان ذكر الكاتب كين كينري، الذي كثيراً ما ردد، حين عرضت مسرحيته «واحد طار فوق عش الوقواق» وقبل أن تتحول فيلماً رائعاً من اخراج ميلوش فورمان، انه يدين بالفضل في كتابة هذا النص لتشيكوف الذي نجد جذوره في قصته القصيرة «العنبر رقم 6» كما نجد سمات شخصياته الرئيسة في معظم مسرحه. وإذا كان معروفاً أن كثراً من كبار كتّاب وسينمائيي القرن العشرين (بمن فيهم أنغمار برغمان وودي آلن، مستعدون للاقرار دائماً بفضل تشيكوف عليهم، فإن نسبة فيلم فورمان الى «العنبر رقم 6» كانت الأبعد عن التوقع. ومع هذا ها هو عرض هذا الفيلم، مساء اليوم على شاشة القناة الثالثة الفرنسية يتيح فرصة طيبة للربط بين العملين. لكنه أكثر من هذا، يتيح فرصة أطيب للعودة الى واحد من أجمل وأقوى الأفلام في تاريخ الفن السابع، خلال سنوات السبعين. هذا الفيلم حققه المخرج المنشق التشيخي الأصل فورمان، في الولاياتالمتحدة عام 1975، يوم كانت قضية الحرية والقمع السلطوي لا تزال في الواجهة. وهو أتى، بالتحديد، فيلماً يطرح اسئلة شائكة وقاسية على هذين المفهومين... وإن كان في حينه استقبل أول ما استقبل بوصفه فيلماً عن قسوة المعالجة النفسية وسوء التعامل السلطوي الرسمي مع «المجانين» (يوم كانوا، بعد، يسمون مجانين!). والحال أن الفيلم يتجاوز الاطار الأخير من التعمق في البحث في الشرط الانساني، لكنه يحتويه أيضاً. وذلك لأن شخصية راندل ماكمورفي (التي أداها بقوة استثنائية، جاك نيكلسون فقدمت مساهمة أساسية في اطلاقه فنياً كواحد من أعظم الممثلين في تاريخ الفن السابع) ليست فقط شخصية مختل عقلياً، أو مجرم يختبئ خلف زعم الاختلال العقلي، ما يؤدي الى دخوله المستشفى واحداثه تلك الثورة داخلها، حتى ولو على حساب حياته. ماكمورفي هو كناية عن فعل التحرر، الذي يدخل مجتمعاً كالجرثومة، فتنتشر عدوى الحرية في آخر مكان كان يمكن توقع نشرها فيه. وفيلم «واحد طار فوق عش الوقواق» لم يعد، بعد مرور سنوات، ينظر اليه الا من هذا المنطلق... من منطلق اللغة المتراكمة التي تجعل للفيلم ألف معنى ومعنى... بل تجعله متغير المعنى تبعاً للأحداث الكبرى والذهنيات العامة وقدرة الذهنيات على التفاعل مع ما توصلها اليه الأيام. * «فرانس 3»، 21.30 بتوقيت غرينتش.