الأحد 19/4/2009: ثنائية بين متهمين أربعة يحاكمون في دوسلدورف بتهمة «تدبير مؤامرة إرهابية»، ألمانيان اعتنقا الإسلام هما فريتز غيلوفيتس (29 عاماً) ودانيال شنايدر (23 عاماً)، وكلاهما تدرب في معسكرات عند الحدود الباكستانية – الأفغانية. وإذا كان الكلام صعباً على حقيقة الإيمان لأن الله وحده يعلم ما في الصدور، فإن مظهر الإيمان لدى هذين الشابين أشبه بمغامرة عسكرية، وهو يندرج في سياق اختيار للعنف بدعوى تغيير العالم شهدناه في ستينات القرن الماضي وسبعيناته لدى اليسار المتطرف. لقد انطوى زمن الألوية الحمر الإيطالية وبادر ماينهوف الألمانية فلبى هذان الشابان نداء «القاعدة» أو اخواتها. ليس فيتس وشنايدر استثناء، فهناك ظاهرة شبابية عالمية تربط الإسلام بالعنف وترى في الإيمان به سبيلاً الى مغامرة تحيي الشعارات القديمة بالقسمة الطبقية للمجتمعات. ولكن، هذه المرة، للعالم كله مجال صراع بين فسطاطين. هذه النظرة الخطرة يدعمها القائلون بثنائية الخير والشر، فكأن جماعة استخدام الإسلام من اجل الارهاب والأصولية المسيحية الأميركية وفي أجوائهما الصهيونية في شكلها المتعصب، ترسم جميعها صورة زرادشتية ثنائية للعالم بعدما اضمحلت الزرادشتية ولم يبق منها سوى أقلية مسالمة لا يقصد كلامنا أن ينسب إليها أي حضور لدى الضاربين بطبول العنف. كان المنتمون الى الإسلام ينجذبون بحضوره الروحاني يملأ جفاف حياتهم بالمحبة وبالحيوية فيجدد وجودهم على الأرض ويفتح أمامهم آفاق ما بعد الحياة. ولم ينظر هؤلاء الى الشأن السياسي إذ اعتبروه عرضاً متغيراً بحسب البيئات والثقافات القومية والمصالح، واكتفوا بنوع من التضامن مع البشر الاخوة لهم في الخلق ولم يقفوا عند حدود الاخوة في الدين. كان العالم في عيونهم واحداً يحتاج الى ما يخفف أوجاعه ويفتح أمامه أبواب الأمل. نجح هؤلاء في رسم صورة جميلة للإسلام، يستحقها، وآخر ما لفتنا موريس بيجار (1927 – 2007) الذي احتل مشهد الرقص العالمي في سبعينات القرن العشرين، وبرزت في أعماله خلال ذلك العقد مؤثرات شرقية تجسد اللقاء الإنساني. يبدو التدين هنا شأناً شخصياً عميقاً يؤثر إيجاباً في الإنسان، فلا يدفعه الى الانكفاء كما هي حال الذين ينظرون الى التدين باعتباره انتماء عسكرياً يفرق ما بين البشر، ويندرج تحت إمرة شخص بعيد، يشبه عنواناً أو راية ولا يشبه بشراً يمكن أن نناقشهم ونتفاعل معهم، لا أن نتبعهم مثل قطار العميان. الاثنين 20/4/2009: بلا ذئاب هؤلاء البشعون في البلد الجميل، يقيمون من أشجاره القليلة منابر لصياحهم اليومي. مشهد لا يستحق النظر، لأن الورقة البيضاء أفضل، الشاشة البيضاء، الكلمات الملبية نداء الغياب، الكلمات مثل تنفس قليل، أقل من كاف، الكلمات لا تخاف المطر ولا الغبار. تبقى تلك النفس الأمّارة اللوّامة، النفس في حفرتها العميقة تتنفس التراب والجذور والحلم بالضوء، ولا تختنق لأنها اختزنت رغبة تفيض من داخلها، من نبع لا نعرف له وصفاً. البشعون على منابر خشبية كانت أشجاراً. لا يستحق الأمر لأننا مدفوعون بمنطق الأشياء نحو الانكفاء وإهمال مواجهة رأينا مصير الذين مارسوها، جاء من داسهم وصعد عليهم الى مجد قسوته. قلنا ننكفئ لتضعف القسوة حين تفقد رجالها/ جندها، وليقل عدد القساة، يصير العالم مجالاً واسعاً لحرية العشب والأشجار ولبشر قليلين مثل خراف قليلة، في الحد الأدنى للخراف، أي بلا ذئاب. الثلثاء 21/4/2009: ثقافة مصرية جاء في مطلع مقال للزميلة وفاء حلمي في جريدة «العربي» المصرية الناصرية (في 20/4/2009): «ما حدث في مدينة «سيدي براني» من إلقاء الحجارة على القافلة الثقافية، التي ذهبت للترفيه عن أبناء هذه المنطقة بزعم أن الفن حرام، يجب ألاّ يمر من دون أن يتنبه المسؤولون الى الخطر المحدق بالوطن. والقضية هنا ليست خطر التطرف فقط، لكن التطرف الممتزج بفقد الهوية وعدم الانتماء بعدما أهملهم الوطن وتركهم نهباً للثقافات المجاورة. وإذا كان فقد الانتماء خطراً في أنحاء الوطن كافة، إلا أنه كارثة حين يكون في مناطقنا الحدودية. وبتأمل مدن وقرى مطروح مثل سيدي براني ورأس الحكمة والسلوم وسيوة سنجد سكانها يعرفون عن ليبيا أكثر كثيراً مما يعرفون عن مصر. اللغة الأولى هنا هي الأمازيغية، يتحدثون بها ويسمعون أغانيهم بها، وإن كان أصحاب اللغة الأمازيغية في مصر وطنيين، لكن، لا ضمان أن تأتي أجيال ترتبط بأمازيغ المغرب العربي الذين يقولون عن أنفسهم نحن شعب بلا وطن». مقال وفاء حلمي يدفع الى ملاحظات: - الكتابة عن القوافل الثقافية في مناطق مصر يمكن ان تتعدى التغطية الصحافية لتدخل في صلب إحدى الكتابتين، الإبداعية أو السوسيولوجية، ويكون مفيداً رصد منح تفرغ للأدباء ليكتبوا عن هذه المناطق والمناخ الثقافي لسكانها. ولعل مؤتمرات أدباء الأقاليم تكون مرتكزاً لتحديد المرشحين لمنح التفرغ هذه، فيعنى الأديب بما هو خارج محل إقامته لأن العين الجديدة ترى أكثر من العين الأليفة. - الخوف على الثقافة المصرية ليس في محله، خصوصاً تجاه بيئات طرفية يمكن أن تشكل إضافات الى المركّب الثقافي في المركز، خوف ليس في محله لأن مصر منذ آلاف السنين تهضم ثقافات الوافدين في مركّبها الثقافي العريق في تنوعه وغناه، وليست مصر أبداً قبيلة مشرقية خائفة ومخيفة في آن واحد. ربما يكون مبعث الخوف نسيان القوميين العرب في مصر مصريتهم وتبنيهم مخاوف مشرقية تعتبر بالنسبة الى المصريين مجرد أوهام. - لا حدود للثقافة المصرية أو لغيرها من الثقافات العريقة، أما مناطق الاتصال فهي نقاط إشعاع وتفاعل أكثر منها مجرد حدود سياسية وأمنية. الأربعاء 22/4/2009: حرية حرّ وليس لي سيّد. ألعب بالخوف مثل كرة. أقذفه عالياً فيسقط ما وراء السور. ليس الجوع خطراً، إنه نوع من الحمية. وليس الأمن حاجة لأننا نرقص مع الذئاب. وليست المعرفة إضافة بعدما توقفت عند أناشيد الجهل الصاخبة. حرّ وليس لي سيّد. مات الأصدقاء أو رحلوا، وبقيت لي مساحة زمن. مساحة ربحتها حين نجحت في القفز من قطار العميان وفتحت عينيّ على الفرح. قلت إن بشراً بعيدين لا بد أسعد حالاً وأكثر حرية ولهم أسياد، ولكن غير جاهلين. حرّ على شاطئ البحر المتوسط. أفتح دفاتر النسيان وأقرأ ما كان ولن يكون غافراً لهذا السيد أو ذاك أو ذلك، وأنظر الى عليائهم كأنني أنظر من عليائي. تكفيني الحرية نافورة ماء في حقل يابس. الخميس 23/4/2009: دانتي وبياتريشي اشتهر دانتي اليغييري (1265 – 1321) بتأليفه «الكوميديا الإلهية» مكرساً انفصال الإيطالية عن اللاتينية لتصبح لغة كتابة بعدما كانت لغة للعامة (نقل هذا العمل الكلاسيكي الى العربية المصري حسن عثمان في أربعينات القرن العشرين، وأنجز الشاعر العراقي كاظم جهاد ترجمة حديثة صدرت قبل سنوات قليلة). تحتل بياتريشي (أو بياتريس باللفظ الفرنسي الشائع) موقعاً بارزاً في فصل «الفردوس» من «الكوميديا الإلهية»، لكن لدانتي كتاباً آخر خصصه لحبيبته عنوانه «فيتا نووفا» أو «الحياة الجديدة»، وهو سرد عاطفي، مزيج حب ورثاء، وسونيتات شعرية. (نقل الكتاب الى العربية محمد بن صالح وأصدرته هذا الشهر دار الجمل بالتعاون مع منشورات «كلمة»). نقتطف من السونيتات: «ايها الذين عبر طريق الحب/ تمرّون، توقفوا وانظروا/ إن كان يوجد ألم أعظم من ألمي. رجائي فقط أن تقبلوا/ بالاستماع إليّ ثمّ أن تتخيّلوا؛/ في كلّ همّ شديد،/ ألستُ المضافة والمفتاح؟ رماني الحبّ، لنُبلهِ/ لا لأهليتي المتّضعة، رماني/ في حياة على أقصى العذوبة/ واللطافة، حتى أنّي غالباً/ ما كنت أسمع خلفيَ من يقول: «ربّاه! أي كرامات/ هذي التي قد صيّرت/ قلبه خالياً من كل همّ؟». واليوم أضعتُ الحيوية/ التي وهبني إياها حبّي الأثير،/ وشديد البؤس أبقى/ حتى أنّي بتّ في أقوالي أشتبه. وهكذا، مقتدياً بمن،/ بسبب الخجل، يخفون تقصيرهم،/ أتظاهر بالحبور لكنني/ في أعماق قلبي أكظم غيظي وأنتحب».