الأزمة ما بين الصين وشركة غوغل كانت محور الحديث في الأسبوعين الماضيين. حيث تناقلت وكالات الأنباء تهديدات غوغل بفك الرقابة الذاتية عن نتائج البحث، بل حتى الذهاب إلى الإنسحاب الكامل من السوق الصينية الضخمة. أشبع المحللون الأميركيون والصينيون الموضوع تحليلاً، بينما اكتفينا نحن بنقل الخبر وآراء أطراف الأزمة. ربما لأن قضايانا لا يمكن حصرها. نحاول في مقالتنا هذه، الولوج إلى هذا الموضوع والتنقيب في حيثياته. على أن نحاول جني بعض الفوائد التي قد تفيدنا نحن العرب. في البداية نعرض للأطراف الرئيسية في هذه الازمة، وهم الصين وشركة غوغل وأخيراً وكطرف ثالث وغير مباشر الولاياتالمتحدة. الصين دولة عملاقة في كل المجالات، قد يكون الاقتصاد العنوان الأبرز في الوقت الحالي، لكن التفوق الصيني على الأصعدة الأخرى قادم لا محالة. الصين أيضاً من الدول القلائل التي لم تتأثر بالأزمة العالمية بل على العكس حققت نمواً هائلاً يصل إلى 10,7 في المئة في الربع الأخير لعام 2009. شركة غوغل هي أكبر محرك بحث في العالم وشركة متكاملة في تكنولوجيا المعلومات، وأهم ما يميزها أنها شركة صاحبة أفكار ابداعية وحلول متميزة. وهي أيضاً من الشركات القليلة التي لم تتأثر بالأزمة العالمية بل على العكس تماماً فها هي تنهي عام 2009 وقد حققت أرباحاً في الربع الأخير يصل إلى 1,97 بليون دولار. الولاياتالمتحدة عملاق يعاني أزمات متعددة الأوجه، اقتصادية وسياسية وعسكرية. فالأزمة العالمية لم تراوح نتائجها بعد وهي تخسر أماكن كثيرة من نفوذها جراء مغامراتها السياسية والعسكرية. في عام 2006 قررت شركة غوغل بالإتفاق مع الحكومة الصينية البدء بتقديم خدماتها في الصين، في محاولة منها لاقتسام الأرباح الهائلة في هذه السوق مع محرك البحث الصيني الشهير «بايدو». في ذلك الوقت، ولأن محور عمل شركة غوغل هو البحث، والبحث يعني معلومات متنوعة تلائم أطرافاً ولا تلائم آخرين، تم الاتفاق على أن تراقب غوغل نفسها رقابة ذاتية، وهذا ما يعنيه حذف الكثير من النتائج التي لا تتماشى مع هوى الحكومة الصينية، كتلك المتعلقة مثلاً بساحة تيانانمين والدالاي لاما. ما حدث قبل نحو أسبوعين أن شركة غوغل وغيرها من الشركات الأميركية زعمت أن هجمات منسقة قد شنت على حسابات «الجي ميل» لبعض الناشطين الصينيين المعارضين فيما بدا أنه عمل منسق للإستيلاء على المحتوى الخاص بهؤلاء المعارضين. غوغل ألقت بتهديدها بالإنسحاب من السوق أمام الحكومة الصينية، ثم أتبعتها وزيرة الخارجية الأميركية بالتأييد وطلب التحقيق. الحكومة الصينية التزمت ضبط النفس في البداية ثم سارع المسؤولون الصينيون للرد والتأكيد أن الصين يمكنها أن تعيش من دون غوغل وأن التصريحات الأميركية غير مقبولة. هذه الهجمات ليست بالجديدة، لكنها ربما زادت في الآونة الأخيرة، وغوغل على ما تتميز به من قيم حاولت أن تبقي على خيط دقيق من المصالح المشتركة. إضافة إلى ذلك، فغوغل ربما تسعى إلى إعادة صوغ الإتفاق بينها وبين الحكومة الصينية سعياً إلى هامش أكبر من الأرباح. في بال غوغل أيضاً ربما الإنسحاب، ولا يوجد أفضل من غطاء الإنتهاك للحقوق. من جهة أخرى أصبحت الصين ومع النمو المطرد لقوتها، ترد الصفعة بصفعتين في علاقتها بالغرب. فهي الآن تحس بمكامن قوتها، وأنها باتت قادرة على التخلص من حالة الإرضاء الذي كانت تحكم به نفسها مع علاقتها بالغرب عموماً وبالولاياتالمتحدة خصوصاً. الولاياتالمتحدة تحاول وفي أي فرصة سانحة أن تحد من صعود التنين الصيني وأن تروضه وتغير الملامح الأساسية له. فهي راهنت سابقاً على أن التجربة الصينية ستبوء بالفشل لافتقارها إلى العنصر الأساسي الذي قامت عليه الحضارة الغربية وهو الحرية. لكن مع استمرار النمو الصيني، وتحقيقه معدلات غير مسبوقة من النمو أصبح مفكرو الغرب يزعمون أن الصين ستتغير ولو حتى متأخراً. الغرب وبنظرته المتعالية لم يعِ أن كل مجتمع يختلف عن الآخر، وأن أسباب تقدم الحضارة الغربية ليست بالضرورة نفسها للمجتمعات الأخرى. الصين تتغير مع تقدمها، تغيرها ربما يتحرك ببطء، لكنه مناسب لها وهي تعرف كيف تتكيف مع هذه الحال. نظرة الغرب ذاتها موجهة لنا نحن العرب والمسلمين. غير أن الفرق بيننا وبين الصين، أن الصين بحكومتها تسعى أولاً الى مصلحة البلاد والأمة. بينما نخبنا تسعى أولاً لمصالح شخصية ضيقة. والفرق الآخر، أن الشعب هناك يعي معنى أن تتقدم الأمة ويوحد لذلك كافة جهوده مع الحكومة. في استطلاع حول المشكلة مع غوغل، أكدت نسبة كبيرة من الصينيين أنهم مع حكومتهم.