دشن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قناة السويس الجديدة، إيذاناً ببدء ازدواج المجرى الملاحي فيها، مؤكداً في كلمته في حفل الافتتاح شرق قناة السويس أمس أن مصر قدمت القناة هدية للعالم، كما جابهت «أخطر فكر إرهابي لو تمكّن من الأرض لحرقها»، موضحاً أن رسالة افتتاح القناة رسالة بأننا «ننتصر على الإرهاب بالحياة، وعلى الكراهية بالحب»، متعهداً دحر الإرهاب. وبدأ الحفل بوصول الرئيس السيسي مرتدياً الزي العسكري موقع الاحتفال في شرق قناة السويس، ليستقل يخت «المحروسة» الملكي، مبحراً لمسافة 10 كيلومترات في القناة الجديدة برفقة رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش والمشرف على المشروع رئيس أركان الهيئة الهندسية اللواء كامل الوزيري، وعدد من قادة الجيش. كما اصطحب عدداً من ممثلي طوائف الشعب المصري على اليخت الملكي في جولته، ملوحاً بالتحية للوفود الشعبية التي اصطفت على الضفة الغربية للقناة الجديدة في 30 منصة، لمتابعة الحفل وقدم لهم التحية العسكرية. وحلقت مروحيات عسكرية وطائرات «أف 16» أعلى يخت المحروسة، الذي رافقته 10 قطع بحرية تتقدمها الفرقاطة «تحيا مصر»، من طراز «فريم» الفرنسية التي انضمت قبل أيام للأسطول البحري المصري. ورسا اليخت أمام المنصة الرئيسية ليدخل السيسي إلى استراحة أعدت خصيصاً لاستقبال ضيوف الحفل من الزعماء والأمراء وممثلي الدول، بعدما ارتدى الرئيس المصري بزة مدنية. والتقى السيسي ضيوف الحفل، في قاعة الاستقبال، فيما كانت الموسيقى العسكرية تعزف ألحاناً وطنية، وطابور العرض العسكري ينفذ استعراضات، والقطع البحرية المدنية والعسكرية تُبحر في القناة الجديدة. ثم خرج الرئيس السيسي إلى المنصة الرئيسية، مصطحباً ضيوفه، وفي مقدمهم: الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وملك الأردن عبدالله الثاني، وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة وأمير الكويت الشيخ جابر الصباح وممثل خادم الحرمين الشريفين أمير مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل ونائب رئيس الإمارات رئيس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، والرئيس السوداني عمر البشير، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، ورئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيدف، ورئيس وزراء إثيوبيا هيلا مريام ديسالين، بالإضافة إلى نائب المستشارة الألمانية وزير الاقتصاد والطاقة، ورئيس مجلس الأمة الجزائري والمستشار الفيديرالي السويسري للشؤون الاقتصادية، وممثلون رفيعو المستوى للصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والسنغال والولايات المتحدة الأميركية. وحضر الحفل كبار رجال الدولة من الوزراء والقادة العسكريين، ورموز المجتمع المصري، وعدد كبير من السفراء والقناصل والملحقين العسكريين للدول العربية والأجنبية. وشهد الحفل تمثيلاً لأكثر من 70 دولة، ودُعي له أكثر من ستة آلاف شخص. وبعدما عزفت الموسيقى العسكرية السلام الجمهورية عُرض فيلم تسجيلي استعرض مراحل حفر القناة الجديدة، ثم ألقى رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش كلمة حيا فيها السيسي وضيوفه وحضور الحفل. وقال مميش إن الشعب المصري البطل أعاد كتابة التاريخ من جديد، مضيفاً: «أراد الشعب المصري الحياة في 25 يناير و30 يونيو، وها هو القدر قد استجاب»، مشيداً بالتفاف الشعب حول جيشه وقيادته، لينطلق إلى آفاق التقدم. وأضاف: «التحدي كان شعارنا، في إنجاز المشروعات، فانصهر الشعب والجيش في بوتقة واحدة، لإنجازه... إنهم المصريون الأشداء الأكفاء الأقوياء». ووعد الرئيس والشعب عدم التوقف عند هذا الحد، متعهداً بالبدء من اليوم في تنفيذ مخطط تنمية إقليم قناة السويس. واعتبر مهاب مميش قناة السويس «رمز الإرادة المصرية الصلبة». وقال: «نحمل جميعاً معاول البناء، وليترك البعض معاول الهدم، فلن نسمح لأحد بهدم الوطن»، في إشارة على ما يبدو إلى جماعة «الإخوان المسلمين». ودعا مميش الرئيس السيسي إلى التوقيع على وثيقة أمر بدء تشغيل قناة السويس الجديدة، فوقعها مصافحاً مميش، لتدوي منطقة الحفل بالتصفيق. ثم ألقى السيسي كلمته، مستهلاً بتحية ضيوف مصر الأوفياء «الذين أرادوا أن يشاركوا الشعب العظيم فرحته بإنجازه العظيم». وكعادته، ارتجل السيسي كلمته منحياً الخطاب المكتوب جانباً. وقال: «مصر دولة عظيمة جداً، ودول كثيرة في العالم تُدرس لأبنائها الحضارة المصرية، والقيم والمبادئ والأخلاقيات التي قدمتها الحضارة المصرية، والتي تناغمت مع الرسالات والديانات السماوية ولم تتقاطع معها»، مضيفاً: «اليوم مصر تقدم للإنسانية هدية، ربما ليست كبيرة مثل هدية القدماء، لكن المصريين بذلوا جهداً خلال عام لتقديم هدية من أجل البناء والتعمير... مصر لم تقدم للعالم المشروع فقط. سيذكر التاريخ أن مصر جابهت أخطر فكر إرهابي لو تمكن من الأرض لحرقها، المصريون هم من تصدوا لهذا الفكر ليقدموا السماحة الحقيقية للإسلام والمسلمين، ليقدموا البناء والرخاء وليس التخريب والتدمير، مصر هي من تصدت أيضاً لتجديد الخطاب الديني حتى يتناغم مع عصره، من خلال أزهرها وعلمائها، يُمكن ألا يكون هذا الأمر محسوساً الآن، لكن سيتضح خلال السنوات المقبلة». وأضاف: «الشعب لم ينفذ العمل في القناة الجديدة، في ظروف طبيعية، ولكن في ظروف صعبة جداً اقتصادية وأمنية، كانت العناصر المتطرفة من أهل الشر تحاول إيذاء مصر والمصريين وعرقلة مسيرتها وتقدمها، العمل لم يكن يسير في ظروف طبيعية، كانت هناك ظروف لمكافحة الإرهاب وما زالت مستمرة وسنكافح الإرهاب، وسننتصر عليه بلا شك». وقال: «القناة ليست عملاً هندسياً، ولكن كان لا بد للمصريين أن يشعروا بمزيد من الثقة والاطمئنان وعدم التشكك والإحباط. أتصور أن ما تم تنفيذه ورد فعل الشعب وفرحته تؤكد هذا المعنى، المواطنون كانوا يحتاجون لأن يؤكدوا لأنفسهم والعالم أنهم قادرون على الإنجاز، وأتصور أن تلك أول خطوة من ألف خطوة. القناة خطوة واحدة من ألف خطوة، المصريون مطالبون أن يكملوها». وقال السيسي: «لا يمكن أبداً أن يستطيع أحد أن ينال من مصر، طالما الشعب المصري كتلة واحدة». وحيا السيسي «أرواح الشهداء الذين سقطوا من أجل مصر واستقرارها»، وكل الجهات العاملة في مشروع قناة السويس الجديدة. وقال: «وعد المصريون العالم بأن نقدم قناة جديدة هدية، وها نحن نفي بالوعد، تلك القناة ستفتح آمالاً جديدة للتنمية، في العالم»، مؤكداً أن المشروع يتخطى الأهداف السياسية أو الاقتصادية، لهدف إنساني من أجل التقدم والرخاء، معرباً عن الأمل في مشاركة أصدقاء مصر في المشاريع المقبلة. وقال: «الإرهاب أراد فرض إرادته المتخلفة على المصريين فكانت إرادتهم على دحره أقوى... رسالة القناة أننا ننتصر على الإرهاب بالحياة، وعلى الكراهية بالحب». وأضاف: «مصر ليست بلد المشروع الواحد، فشعبها قادر على الإنجاز وما الافتتاح اليوم إلا انطلاقة لمشاريع جديدة، من أهمها مشروع تنمية قناة السويس». وأثناء إلقاء السيسي كلمته، دوت صافرات البوارج التي عبرت متقاطعة في القناتين، ليأذن ببدء تشغيل القناة الجديدة، وتنطلق الطائرات الحربية في سماء قناة السويس، ثم أقيمت فقرات فنية، في ختام الحفل. وشارك في القناة الجديدة 45 ألف عامل، عبر 82 شركة مقاولات محلية وعربية وأجنبية، أشرفت الهيئة الهندسية في القوات المسلحة على عملها، واستخدمت 45 كراكة من بينها الأكبر في العالم، في أعمال التوسيعات، ونحو 4500 معدة في أعمال الحفر، بلغ معدل استهلاكها من الوقود نحو مليون ليتر يومياً. وبلغت كلفة الحفر أربعة بلايين جنيه، وكلفة أعمال التكريك تخطت 15 بليوناً. ودربت هيئة قناة السويس 300 مرشد وقطبان على النظام الملاحي الجديد الذي اعتمد أمس مع افتتاح القناة الجديدة.