تغير الشارع التونسي كثيراً بعد العام 2011، فأصبح تظاهر الناس واعتصامهم ووقفاتهم الاحتجاجية أمراً عادياً. منذ العام 2011 اختفي كرنفال أوسو في سوسة فيما أصبحت البلاد كرنفالاً سياسياً مثيراً. كرنفال أوسو هو أهم كرنفال تونسي، نشا عام 1958 بمبادرة من مسرحيَين هما محمد الزرقاطي وعبد الحفيظ بوراوي، لكن السلطة هيمنت عليه وحولته لتمجيد شخص بورقيبة ثم بن علي. وتوقف قبل 4 سنوات ثم عاد من الغياب ومن السياسة وفك ارتباطه بهما، فنظمته في 25 تموز (يوليو) الماضي جمعيات أهلية، وكان شعبياً وليس رسمياً وتابعه مئة ألف شخص. انطلق الكرنفال من ساحة الميناء ومر في شارع بورقيبة وشارع الهادي شاكر كورنيش بوجعفر ذهاباً إلى شارع عبدالحميد القاضي إياباً. سار كيلومترين تقريباً في شكل دائري. افتتح بالدراجات النارية، وانتهى بعربة العرس التقليدي بمصاحبة إيقاعات حية لطبول إبراهيم البهلول. وعلى مدار أكثر من ساعة، مرت عربات «بابا اوسو» و «خيرات البحر» و «سوسة عبر التاريخ» و «الثقافة» و «الشباب يحتفل» و «السياحة». ومرت أيضاً مشاهد علم تونس مع الجوق الشرقي وخروج بابا اوسو من البحر وفرق الإنشاد الصوفي وطبال قرقنة وماجورات سوسة وطبول إبراهيم البهلول وماجورات حمام سوسة والمنفوخات العملاقة وماجورات قصر هلال والعربات السياحية التي تجرها بالخيول. واستمتع الناس بالأزياء وبتقنيات التنكر والألوان والرقصات والإكسسوارات. كل ذلك كان بعنوان «لتنطلق الاحتفالات» ما جعل العودة بحد ذاتها موضوعاً. عودة بواسطة جهود المجتمع الأهلي، خصوصاً الناشطين محمد زين العابدين وعلي المرموري والمدير الفني خالد البنزرتي. يطمح الكرنفال وفق البنزرتي إلى أن يكون ورشاً دائمة لصناعة العربات وابتكار المشاهد ليقترب من طابع الكرنفالات الكبرى مثل ريو دي جانيرو ونيس والبندقية. كما يطمح إلى هيكلة جديدة تتفرع منها تظاهرات مثل المهرجان الدولي للدي دجي المزمع تنظيمه في أيلول (سبتمبر) المقبل وتظاهرة الألعاب النارية. ولمهرجان أوسو عائدات اقتصادية كبيرة وهذا مبرر لعودة الكرنفال. لكن الاحتفال بصدد التغير في كل شيء، اذ تطمح الجمعية المنظمة إلى إقامة ورشاً دائمة في فنون التنكر والأزياء في الأحياء المهمشة والمناطق الريفية بهدف تخليص الكرنفال من الطابع الاحترافي الذي هيمن عليه، وفتح الباب أمام المتطوعين بعدما كان حكراً على الفنانين بأجر، حينها يصبح تعبيرة شعبية اجتماعية. ولم يحضر من المسؤولين إلا وزيرة الثقافة التونسية لطيفة لخضر وهو حضور ينسجم مع طابع النشاط ولا يوحي بسطوة سياسية على الاحتفال. هل يقدر الكرنفال أن يصبح مؤسسة قائمة بذاتها؟ تبدو الفرصة مواتية. ففي 2016 تزمع المنظمة العالمية للمدن الكرنفالية على إقامة مؤتمرها في سوسة، وهي أرضية تسمح بتطوير الكرنفال. لقد نجح المجتمع الأهلي في اختبار التنظيم فنياً ولوجستياً وأمنياً في سياق هش. وعندما كان الكرنفال يقام بتمويل ضخم لم يكن أكثر نجاحاً وقريباً للناس أكثر من هذه المرة بتمويل قليل. الفرق شاسع بين أن يحتفل الشعب وبين أن تحتفل السلطة أمام المجتمع.