تحل الذكرى الخامسة لاستشهاد رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري التي تصادف في 14 شباط (فبراير) متزامنة مع تراجع «الاشتباك السياسي» بين القيادة السورية وتيار «المستقبل» بعد الزيارة التاريخية لزعيمه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لدمشق في 18 كانون الأول (ديسمبر) الماضي ولقائه الرئيس بشار الأسد. الزيارة التي شكلت أول اشارة جدية الى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين بغية تعزيز التعاون الثنائي وتأطيره على قاعدة التسليم بسيادة كل من البلدين واستقلاله وتنقيتها من الشوائب ودفعها الى صيغة لتحقيق التعاون الاستراتيجي أسوة بما هو قائم بين تركيا وسورية. فالحريري لم يتوجه الى دمشق للاستقواء بها على بعض الأطراف اللبنانيين أو الغائهم إنما ذهب اليها انطلاقاً من قناعته بأن لا بد من التوصل في مكان ما وزمان ما الى صيغة جديدة تأخذ في الاعتبار عدم العودة بالعلاقات بين الطرفين الى ما كانت عليه قبل عام 2005 أو الى الأجواء السلبية التي غلبت عليها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وعلمت «الحياة» من مصادر مواكبة عن كثب لأجواء المحادثات بين الأسد والحريري أنهما واثقان بأن معادلة العودة بالعلاقات الى ما كانت عليه قبل عام 2005 أو الى الأجواء السلبية التي تلت هذا التاريخ لا تصلح للتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية. وكشفت المصادر أن الحريري فوجئ بالصراحة التي ذهب اليها الأسد في تقويمه لأبرز المحطات السياسية التي مرت فيها العلاقات الثنائية وقالت إنه لم يكن يتوقع منذ اللقاء الأول بينهما الدخول في مكاشفة في العمق لم تترك لا شاردة ولا واردة إلا واستحضرتها. وقالت هذه المصادر إن توجه الحريري الى دمشق تلازم مع تحقيق نقلة نوعية في العلاقات العربية باتجاه تحقيق المصالحات التي كان من أولى ثمارها التفاهم السعودي - السوري بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الأسد وهذا ما وفرّ للبحث في ملف العلاقات اللبنانية - السورية مناخاً سياسياً جديداً على طريق الانتقال بها الى مرحلة جديدة، خصوصاً أن الوضع في لبنان كان سبباً للتأزم الذي بلغته العلاقات السعودية - السورية وبالتالي فإن البوابة اللبنانية هي السبيل لانفراجها. وإذ اعتبرت المصادر المواكبة أن الحريري، من موقعه رئيساً لحكومة كل لبنان، يطمح من خلال قراره الى فتح صفحة جديدة بين البلدين، أكدت في المقابل أنه لم يذهب الى دمشق من أجل فتح نصف صفحة أو ربعها، وهذا ما كان أبلغه أخيراً الى قيادات وكوادر ونشطاء تيار «المستقبل» في معرض مصارحتهم بما حققته الزيارة التي يفترض أن تتجاوز بنتائجها كسر الجليد الى اعادة بناء عامل الثقة بين البلدين إنما على خلفية المضي في التكيف معها من دون المس بالثوابت. ولفتت المصادر عينها الى أن زيارة الحريري لدمشق، وإن كانت تتمحور باتجاه التطلع الى المستقبل، فإن السلبيات التي سادت العلاقات في الماضي موضوعة في مكان ما وهي موضع علاج ومتابعة من خلال التواصل القائم بين الأسد والحريري وأحياناً عبر أقرب المقربين الى الأخير وهو مدير مكتبه نادر الحريري. واستغربت هذه المصادر ما أخذ يشاع عن أن الفتور عاد ليسيطر على العلاقة بين الأسد والحريري وسألت عن الأسباب التي دفعت البعض في لبنان الى الاجتهاد خلافاً لكل المناخ الإيجابي السائد بينهما؟ واعتبرت أن مصادر اجتهاد البعض في ما يشيعه بهذا الصدد يعود الى أنه لم يتيسر له الحصول على المعلومات الكافية بخصوص نتائج اللقاء الأول بين الرئيسين وأنه يحاول التحرش اعلامياً وسياسياً من حين لآخر ظناً منه أنه يدفعهما الى قول ما لا يريدانه. ونقلت شخصيات لبنانية زارت دمشق أخيراً عن كبار المسؤولين السوريين ارتياحهم الى المسار الذي بلغته العلاقة بين الأسد والحريري نافية صحة «الاجتهادات» اللبنانية التي حاولت أن توحي وكأن الزيارة لم تكن. وأكدت هذه الشخصيات أن الأيام المقبلة ستكشف عدم صحة هذه الاجتهادات من ناحية وستفرض على المروجين لها أن يعتادوا منذ الآن على أن العلاقة أصبحت مباشرة ومن دون أي وسيط. وأوضحت أن ما يميز هذه العلاقة أنها تحصل للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود من تاريخها بين البلدين مباشرة، لا سيما بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان (ابريل) 2005، إذ لم يعد من طابع أمني أو استخباري لها في ضوء تفاهم الأسد والحريري على تقنين قنوات الاتصال لتعزيز التواصل من جهة ولقطع الطريق على من يريد اقحامها في حسابات خاصة أكان سورياً أو لبنانياً كما كان يحصل في السابق. وتابعت هذه الشخصيات أن القيادة السورية لم تفرض شروطاً على الحريري وأن الأخير لم يذهب الى دمشق عارضاً حلفاءه للبيع كما يظن البعض ممن كانوا يدعون الى حصولها قبل أن يسيطر عليهم القلق حفاظاً على دورهم «المنفوخ» في الساحة المحلية. وأبدت ارتياحها الى المواقف التي صدرت عن الحريري في جولته على عدد من الدول العربية والأجنبية وقالت إن أحداً لا يستطيع أن يسجل عليه أي ملاحظة يمكن توظيفها في سياق العودة بالعلاقة الثنائية الى الوراء، خصوصاً أنه لم يضع نفسه في منافسة مع أحد. لكن المصادر المواكبة تضيف أن الحريري ليس من الصنف الذي يتحدث بلسانين في المناسبة نفسها، مؤكدة أنه يركض محلياً وخارجياً وراء تثبيت الاستقرار العام في البلد لأن ما يهمه في الوقت الحاضر توفير شبكات آمان للبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. ماذا بعد لقاء الأسد - الحريري؟ في معرض الإجابة عن هذا السؤال، وفي ضوء الشح في تسليط الأضواء على التفاصيل العملية المرجوة من الزيارة لا بد من التأكيد أنها خطوة ايجابية باتجاه الانتقال بالعلاقة من لغة شد الحبال وتبادل الاتهامات وتسجيل المواقف الى مرحلة جديدة تأخذ في الاعتبار الانكباب على مراجعة الاتفاقات التجارية والاقتصادية المعقودة بين البلدين وتقويمها اضافة الى تلك المتعلقة بالتعاون الأمني باعتبار أنها كانت قائمة في السابق على أساس الوجود العسكري السوري المباشر في لبنان. وفي هذا السياق قالت المصادر المواكبة إن الشرط المباشر للانتقال بالعلاقة الثنائية الى بر الأمان يكمن في تبدل رؤيتهما في شأن تصحيحها وهذا ما هو متوافر لدى الأسد والحريري في آن معاً. وكشفت أن لدى الأسد نية لإعادة النظر في العلاقات الثنائية من أجل تحقيق التوازن والمنفعة المتبادلة للبلدين وأنه يضع أمام عينيه التعاون الاستراتيجي القائم بين تركيا وسورية ليكون نموذجاً لتعاون مماثل مع لبنان. وقالت إن ذلك يحتاج الى تحديد دور المجلس الأعلى اللبناني - السوري في ضوء التوصل الى تفاهم على ضرورة الحاجة اليه أو صرف النظر عنه. وبكلام آخر أوضحت المصادر أن الدور الموكول الى المجلس الأعلى يجب أن يتبدل ليغلب عليه الطابع الخاص بالتعاون الاقتصادي والتجاري بدلاً من السمة الأمنية لدوره والتي تكونت لدى اللبنانيين بفعل التجارب السابقة. واعتبرت أن التوافق في شأن الإبقاء على المجلس الأعلى يقتضي اختيار الأمين العام المناسب له لديه من الخبرة الكافية في مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري حتى امكان التكامل الزراعي بين البلدين لحماية المنتوجات اللبناية والسورية ومنع الدخول في منافسة لن تكون لمصلحة البلدين. الانتهاء من مراجعة الاتفاقات وأكدت أن الجانب اللبناني أوشك على الانتهاء من مراجعة الاتفاقات استعداداً لعقد اجتماع في بيروت للجنة العليا المشتركة بين البلدين برئاسة الحريري ونظيره السوري محمد ناجي عطري. أما في شأن ترسيم الحدود اللبنانية - السورية فقالت المصادر إن التحضيرات من الطرفين جارية لبدء عملية الترسيم من الشمال وسط استعداد سوري لضبط الحدود والتعاون مع لبنان لوقف كل أشكال التهريب، مشيرة الى أن البلدين يدرسان حالياً احتمال اقامة نقاط حدودية مشتركة للأمن العام والجمارك من البلدين. السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وفي خصوص اجماع مؤتمر الحوار الوطني اللبناني على ضرورة جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه في داخلها أكدت المصادر عينها أن القيادة السورية على استعداد للمساعدة لما لها من علاقة وطيدة تربطها بعدد من الفصائل الفلسطينية، لكنها ترفض القيام بهذا الدور انطلاقاً من أنها متهمة بتهريب السلاح والمقاتلين الى المعسكرات الفلسطينية الواقعة خارج المخيمات أو القيام بحملات سياسية خارجية ضد سورية بهدف تأليب الرأي العام الدولي عليها وتحميلها مسؤولية في شأن تعثر تطبيق ما أجمع عليه مؤتمر الحوار في هذا الخصوص. وتوقفت المصادر أمام ما أعلنه أمين سر حركة «فتح الانتفاضة» العقيد سعيد موسى «أبو موسى» في أول زيارة له للبنان منذ الاجتياح الاسرائيلي لبيروت في حزيران «يونيو» 1982 وقالت إن ربط جمع السلاح بالحقوق المدنية للفلسطينيين المقيمين في لبنان وبالتوافق على المرجعية الفلسطينية لا يعني أن الباب أقفل في وجه جمع هذا السلاح بمقدار ما أن هناك حاجة لإعطاء بعض الحقوق لتوفير غطاء لتراجع المنظمات الفلسطينية عن موقفها الرافض. وأبدت المصادر ارتياحها الى طبيعة الردود اللبنانية على كلام «أبو موسى» خصوصاً لجهة أنها فوتت الفرصة على مراهنات على اشتباك سياسي مع سورية على خلفية موقفها الداعم لهذه المنظمات. ورأت أن مجلس الوزراء اللبناني يدرس التأكيد على اجماع مؤتمر الحوار على جمع السلاح الفلسطيني ليكون في مقدور الحكومة اللبنانية الالتفات الى سورية وطلب المساعدة منها، لكنها سألت عن مصير المقاتلين الفلسطينيين الموجودين حالياً في هذه المعسكرات وما إذا كانت الظروف تسمح بتسهيل دخولهم الى المخيمات لأن سورية ليست في وارد استقبالهم لئلا تتهم بأنها كانت وراء وجودهم في هذه القواعد. اللوائح بأسماء لبنانيين عند نقاط الحدود الى ذلك كشفت المصادر المواكبة عينها عن اتصالات يرعاها حالياً الحريري وتتعلق بما يتردد بين عدد كبير من اللبنانيين عن أن لوائح بأسمائهم موجودة لدى السلطات الأمنية السورية عند نقاط العبور من لبنان الى سورية وأنهم يخشون من دخول الأراضي السورية خوفاً من اخضاعهم للتحقيق الأمني أو المساءلة على خلفية ما ينسب اليهم من أقوال أو تحركات طوال الفترة الزمنية الممتدة من اغتيال الرئيس الحريري حتى اليوم. وأكدت أنه يجرى حالياً أعداد هذه اللوائح بناء لاعتقاد أسماء الواردين فيها بأنهم معرضون للملاحقة والاستجواب في الأقوال أو الأفعال المنسوبة اليهم، وذلك تمهيداً لصرف النظر عنها ومن دون أن تترك ذيولاً سلبية على حركة التنقل بين البلدين.