عام تلو آخر يتحول منبر مهرجان «سوق عكاظ» إلى منصة، يتطلع الشعراء على اختلاف أجيالهم وتنوع حساسيتهم، إلى الوقوف عليها وإلقاء شعرهم. وهؤلاء الشعراء حين يرنون إلى منبر سوق عكاظ، فلأن روح الشاعر الجاهلي تتلبسهم، فيحلمون بتجسيدها. وقف على منبر سوق عكاظ شعراء وشاعرات من مختلف الدول العربية، قرأوا قصائد تلامس هموماً عربية وأخرى ذاتية، في أشكال وصيغ فنية متنوعة. تقول الشاعرة العراقية ساجدة الموسوي: منذ ثمانية أعوام عندما أشرقت شمس عكاظ العرب من جديد، وحتى آخر موسمٍ له كنت أتابع باهتمام هذا المهرجان الثقافي الكبير، مشدودةً إلى رائحة الماضي البعيد لأكثر من 13 قرناً من الزمان، حيث كانت العرب تجتمع كل عام، وعلى مدى شهر في هذا المكان عينه (شرق الطائف) مدينة الورد الشذي وصاحبة أنفس العطور في العالم». وأضافت أن عكاظ تعود لتحيي الآداب والفنون والعلوم الإنسانية والتراث، «وتفتح نافذة لمحبي الثقافة والتراث أن يفدوا ليرفدوا من معين الحاضر المعطر بشذى الماضي البعيد.. عكاظ الشعر لا تجد فيه اليوم القصائد معلقة على أي جدار، بل معلقة على شغاف محبي الشعر وطالبيه باشتياق، عشرات الشعراء دوت قصائدهم بالحب والصدق والشغف بكل ما هو إنساني وقومي ووطني، وبكل ما يشيع في النفس الأمل والسمو ودهشة الإبداع». وأشارت الموسوي إلى أن عكاظ مدرسة: نتعلم من خلالها أن الأدب والفن له جوائز قيمة تعلي من قيمة الأدب والفن، وتحفز على الإبداع بكل صوره. عكاظ أيضاً تعلمنا أن الأدب والفن في بلادنا العربية لا يزدهران دون رعاية أولي الأمر، فهما بستانان لا يطرحان ثمارهما من دون سقي وعناية فائقة». ويوضح الشاعر محمد يعقوب إن «سوق عكاظ»، «يمتلك مقومات نجاحه بذاته، فهو يحمل حيزاً تاريخياً في ذاكرة كل شاعرٍ عربي، علينا فقط أن نفعّل هذه المقومات التاريخية إلى برامج وأنشطة تنمو وتتراكم وليست مجرّد برامج وأنشطة وقتية وموسمية تذهب أدراج الرياح بانتهاء فترة المهرجان».وأضاف إنّ الوقوف على منصة سوق عكاظ «له هيبته الخاصة في قلوب الشعراء العرب، والإلقاء من على هذه المنصة يحفر عميقاً في تجربة كل شاعرٍ عربي يمرّ من هنا من الطائف البهيّ ومن سوق عكاظ هذا الإرث الحضاري الذي نعتزّ به ونتوق إلى معانقة سماواته عبر سنوات قادمة من الجمال والشعر والألق». ويعتقد الشاعر محمد الخضري أن أوان الشعر أتى وأن الشعر «سيعود إلى مكانه الطبيعي وموقعه المؤثر في الساحة الثقافية، بعد أن ظُلم كثيراً بجعله شعر المناسبات والاحتفالات الرسمية فقط»، مستعيداً فكرة إحياء السوق بالقول: «أذكر منذ وقت بعيد كان الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - طرح فكرة إعادة إحياء سوق عكاظ في عصرنا الحديث.. وكان مما قاله، أنه حان الوقت لبعث الثقافة ومنحها المزيد من الاهتمام والحضور الفاعل.. ربما قدر الله لم يسعف الأمير بتحقيق أمنيته». ولفت إلى أنه لا بد من أن تعاد ل«سوق عكاظ» حضورها الفاعل على الساحة الثقافية، «وإن كنت أرى أن سوق عكاظ الحالية في حاجة ماسة إلى التطوير والاحتفاء من المثقفين ومن الجهات المعنية بالثقافة في بلادنا ومن وسائل الإعلام، لإظهار هذا الحدث الثقافي العربي، بل لعله يكون الحدث الثقافي الأكبر، ليس على مستوى المملكة وشعرائها فحسب، بل ليشمل العالم العربي على وجه العموم، كما أرى أنه ينبغي أن تصاحبه احتفاليه ثقافية كبرى». وعبر الخضري عن أمله في أن تشهد فكرة «سوق عكاظ» تطويراً «لتكون أكثر جذباً للمشاركة والإسهام فيها، مع مراعاة متطلبات العصر الحديث، وأن يكون في كل عام شاعر عربي مميز يكون ضيف المناسبة في ذلك العام، وأن تقام عدد من الفعاليات المختلفة، لتكون سوق عكاظ ملتقى ثقافياً واجتماعياً وحضارياً». في حين وصف الشاعر عبدالعزيز بن إبراهيم السراء، دعوة الشاعر للمشاركة في منصات الشعر بهذه السوق التاريخية العظيمة، والحال التي تسيطر على الشعراء، والتغيرات التي تعتريهم وهم في المكان نفسه الذي وقف فيه جهابذة الشعر العربي عبر العصور، عندما يدعى الشاعر لإلقاء قصيدة في مدرسة ابتدائية، فسيحرص على سهولة العبارة ووضوح المعنى، وإن لم يرتق بالصورة الفنية. وقال: «وعندما يدعى الشاعر نفسه إلى أمسية في ناد أدبي أو جامعة أو حفلة يشرفها مسؤول كبير أو شخصية اعتبارية، فإنه بمقتضى الحال سيسعى لبذل الجهد كله للإجادة الفنية والتحليق معنى ومبنى، وهذا أمر طبيعي لا إرادي، ولا تثريب عليه فيه، فكيف به وهو يريد أن يلقي في مكان مازالت أصداء كلمات فحول العربية تتردد في أركانه، ومازالت قبة النابغة الحمراء ماثلة أمام عينيه، ومازالت آثار أقدام الشعراء وجماهيرهم ترسم تضاريس المكان، وهذا قسٌّ على منبره، وهذا زهير بحوليته، وهذا حسان بمدائحه، وهذه الخنساء بمرثيتها، وهذه الأجواء كلها معطرة أنفاسها بأريج الشعر وعبق النثر».