جدّد مجمع البحوث الإسلامية في جامعة الأزهر رفضه ظهور الصحابة في المسلسلات التلفزيونية. ويأتي هذا الرأي قبل ثلاثة أسابيع من عقد مؤتمر ينظمه الأزهر لمناقشة الحكم الشرعي في تجسيد شخصيات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، درامياً، واستعراض مختلف الرؤى والأبحاث الفقهية والشرعية. لعل استعجال مجمع البحوث في إصدار هذه الفتوى ناتج عن خشية بعض الأعضاء المتشددين من تباين الآراء والاجتهادات عند العلماء المسلمين في شأن إمكان ظهور الصحابة في الأعمال الدرامية خلال المؤتمر المزمع عقده في 27 من الشهر الجاري، بحكم ان هناك العديد من المشايخ والفقهاء المعتبرين في البلاد العربية اصبحوا على قناعة تامة بضرورة تجاوز هذه العقبة أمام الدراما، ودعم دورها في نقل التاريخ العربي الإسلامي للمتلقي العادي وتوثيق تاريخ الأمة قبل ان تمتد إليه عدسات الآخرين وتعاود صوغه على طريقتها، كما تفعل السينما الإيرانية اليوم، ومن قبلها السينما الغربية، فضلاً عن ان هذا الموقف يستند الى أعراف وتقاليد محافظة، ثبت ان التمسك بها ليس في مصلحة نقل التاريخ العربي الإسلامي وخدمته، إضافة الى ان أصحاب هذا الموقف ميزوا في السابق بين الصحابة في الظهور، وشهدنا خلال السنوات الماضية مسلسلات وأفلاماً جسدت شخصية حمزة بن عبد المطلب، وخالد بن الوليد وغيرهما من دون اعتراض. لا شك في ان أهمية هذه الفتوى لم تأت من كونها صادرة عن تجمع يتبع للأزهر فحسب، بل لأنها تصدر من مصر، التي تعتبر رائدة في العمل الدرامي، وهي لعبت الدور الأهم مسرحياً وسينمائياً وتلفزيونياً في خدمة التاريخ العربي - الإسلامي، ولهذا ينبغي على المفكرين والنقاد المصريين التحرك باتجاه تجاوز هذا العرف لحماية الدور المصري في صناعة الدراما، والاستعانة بمواقف شخصيات مهمة مثل الشيخ يوسف القرضاوي، وسلمان العودة، والمفكر الإسلامي عبد الصبور شاهين، الذي يرى أن عدم ظهور شخصيات بعض الصحابة الذين لعبوا أدواراً مهمة في التاريخ الإسلامي، هو حرمان للدعوة وللمسلمين من التعرف على سير هؤلاء. الأكيد ان الدراما أصبحت الوسيلة الأهم في استحضار التاريخ للأجيال الجديدة، وخلال العقود الثلاثة الماضية عرف الجمهور العربي والإسلامي السيرة النبوية عبر فيلم " الرسالة " للراحل مصطفى العقاد، لكن الاستمرار في التمسك بهذه التقاليد الرافضة سيعني حرمان الأجيال الجديدة قراءة التاريخ، وترك الآخرين يكتبون تاريخنا على مزاجهم.