منذ قمة الدوحة وأنا أدرس الألقاب عبر التاريخ لأختار منها ما يناسبني بعد أن قال العقيد معمر القذافي: «أنا قائد أممي وعميد الحكّام العرب وملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين...». لا أدري لماذا يريد أي انسان أن يكون إمام المسلمين في هذا العصر بالنظر الى حال المسلمين وكيف حالت الدنيا بهم. كان طموحي يوماً أن أكون «بطل الثورة» إلا انني رأيت ما فعل أبطال الثورات ببلادهم، وقنعت بأن أكون «فتى الشاشة الأول»، أو «مطرب الجيل» أو «معبود الجماهير»، وهو ما حدث فعلاً والحمد لله. والآن بعض الجدّ، فقد كنت أحفظ قليلاً من الألقاب، إلا أن الأخ العقيد جعلني أعود الى المراجع العربية، وهي كثيرة، وهناك كتب ومقالات، ومعها شرح وافٍ على «غوغل» إذا عاد القارئ الى المراجع المدرجة فيه فستتوافر له ألوف الصفحات عن الموضوع. غير انني نذرت نفسي لخدمة هذا القارئ، ورأيت أن أعفيه من مؤونة البحث، وبحثت نيابة عنه (كل صحافي يبحث عبثاً عن قارئ). السير هنري ماكماهون، المعتمد البريطاني في القاهرة، تبادل رسائل كثيرة خلال الحرب العظمى مع الشريف حسين بن علي، أمير مكة، وهي تعتبر مرجعاً في التفخيم والتبجيل، ثم الطعن في الظهر، فقد خاطب المعتمدُ الشريفَ هكذا: الى السيد الحسيب النسيب، سليل الأشراف وتاج الفخار، وفرع الشجرة المحمدية، والقرشية الأحمدية، صاحب المقام الرفيع والمكانة السامية، السيد ابن السيد والشريف ابن الشريف، المبجل دولتلو الشريف حسين، سيد الجميع، أمير مكة، قبلة العالمين، عمّت بركته الناس أجمعين. كل ما سبق لم يحل دون اتفاق سايكس - بيكو على تقسيم بلادنا، ووعد بلفور الذي رفضه الشريف حسين، في اجتماع في مطلع 1918 مع الكوماندر ديفيد هوغارث، رئيس المكتب العربي في القاهرة الذي أرسله السير مارك سايكس لعرض سياسة بريطانيا في توطين اليهود في فلسطين. والدرس هنا انه كلما زاد المديح زاد حجم المؤامرة وحدّة السكين. وما دمنا عرجنا على القاهرة، فقد قرأت ان لقب صاحب العظمة، وصاحبة العظمة، لم يلقب به سوى السلطان حسين كامل وزوجته السلطانة ملك. أما صاحب الجلالة وصاحبة الجلالة، فبدأ مع الملك فؤاد الأول والملكتين شويكار ثم نازلي، ومع الملك فاروق والملكتين فريدة ثم ناريمان. السلطان سليم عرف بلقب سلطان السلاطين، وأيضاً ظل الله على الأرض، وفي الغرب كان لقبه سليمان العظيم، وأيضاً القانوني، لأنه سنّ قوانين تنظيم الدولة العثمانية، والعملة العثمانية تحمل عبارة «سلطان البرين وخاقان البحرين». في المقابل صاحب القسطنطينية الذي هزمه العثمانيون في الحرب فاز عليهم في معركة الألقاب فقد كان: حضرة الملك الجليل، المكرم المبجل، الأسد الخطير، البطل الهمام الضرغام، العالم في ملّته، العادل في أهل مملكته، عزّ الأمة المسيحية، صمصام الملوك اليونانية، وارث الأسرة والتيجان، الحاكم على الثغور والبحور والخلجان... ألقاب ملك القسطنطينية لا تنتهي، والسابق يختصر ما قرأت الى النصف أو أقل، وفكّرت ماذا كانت الألقاب لو أنه انتصر على العثمانيين. هو انتهى بالتعادل في معركة الألقاب مع السلطان المنصور سيف الدين قلاوون فهذا الملك المملوكي كان «سيدنا ومولانا السلطان الأعظم، الملك المنصور العادل المؤيد المظفر المجاهد، سيف الدنيا والدين، سلطان المسلمين، سيد الملوك والسلاطين، سلطان الأرض ذات الطول والعرض، ملك البسيطة، سلطان العراقَيْن والمصرَيْن، ملك ملوك العرب والعجم، صاحب القبلتين، قلاوون الصالحي، أمير المؤمنين أدامه الله...». كل ما سبق يذكّرني ببيتين من الشعر: مما يزهِّدني في أرض أندلسٍ/ ألقاب معتمد فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها/ كالهر يحكي انتفاخاً صَوْلة الأسد أعتقد أن لقب الناصر تقاسمه خمسة ملوك، بينهم اثنان من دول الطوائف في الأندلس. وفي النهاية ضاع الملْك وبقينا مع آخر ملوك بني الأحمر أبي عبدالله الصغير، وأمه عائشة تقول له: ابكِ مثل النساء مُلْكاً مضاعاً/ لم تحافظ عليه مثل الرجال ومع تقديري للشعر المشهور فالملْك قديماً وحديثاً ضيّعه الرجال لا النساء، وبقيت الألقاب. وأختتم بألقاب بعضها معروف وبعضها من تأليفي وتلحيني، ليختار منها الراغب، وهكذا: الزعيم الأوحد، شاهنشاه، أمير البحر، شيخ الجبل، الاسكندر البرقاوي، أبو «خنانة»، أبو الفقراء، أبو الأيتام، أبو الجماجم، أبو الويل، أبو الليل، أبو الهول، فيفي، باش مهندس، سوسو...