أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أمس أن رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو يعتزم إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأسبوع المقبل قراره تشكيل «لجنة فحص» مستقلة لأحداث عملية «الرصاص المسبوك» (الحرب على غزة)، كما جاء في «تقرير غولدستون» في شأن انتهاكات إسرائيل قوانين الحرب على غزة. ويتجاوب هذا الموقف جزئياً مع «تقرير غولدستون» الذي طالب كلاً من إسرائيل وحركة «حماس» بإجراء تحقيق داخلي مستقل في الاتهامات التي تضمنها التقرير لكل منهما في شأن الانتهاكات التي ارتكبت خلال الحرب، إلا أن إسرائيل تصر على ألا تكون اللجنة التي ستشكلها لجنة تحقيق رسمية تتمتع بصلاحيات واسعة. وكان مفروضاً أن تقدم إسرائيل ردها الرسمي على «تقرير غولدستون» للأمين العام للأمم المتحدة مساء أمس، الموعد الأخير للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني للرد على التقرير. وأجرى نتانياهو أمس اتصالات مكثفة مع أعضاء المجلس الوزاري المصغر في شأن طبيعة «هيئة الفحص» الواجب تشكيلها. ووفقاً لتقارير صحافية، فإن الرد لا يتطرق في شكل تفصيلي إلى ما ورد في التقرير الأممي، إنما يستعرض المبادئ التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي «في تعاطيه مع الإرهاب»، ويؤكد «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحقها في الرد على إطلاق النار على مناطق سكنية. ونقلت الصحيفة عن مصدر سياسي قوله إن الرد الإسرائيلي يتضمن «أجوبة ممتازة» لكل الأحداث التي تناولها التقرير (35 حادثة) واتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وأضاف أن إسرائيل تؤكد للأمم المتحدة أن جيشها حقق بنفسه في أكثر من مئة حادثة، وأن الرد الذي تم تسليمه إلى الأممالمتحدة يدحض كل الادعاءات التي أوردها تقرير غولدستون. وتتخبط إسرائيل منذ أشهر في كيفية التعاطي مع «تقرير غولدستون»، وسط خلافات في الرأي داخل الحكومة بين مؤيد لطلب التقرير من إسرائيل أن تشكل لجنة فحص مستقلة وبين معارض، لكن هناك توافقاً تاماً بين أركان الحكومة والجيش بأنه في حال تشكيل لجنة، فإنها لن تكون لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاض مخولة صلاحيات التحقيق تحت الإنذار القانوني مع مسؤولين سياسيين وعسكريين. من جهة أخرى، يسود تخوف في إسرائيل من أن يؤدي عدم التجاوب مع طلب التقرير الدولي تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الاتهامات الواردة في التقرير إلى نقل التقرير للمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي الذي قد يبادر إلى اتخاذ إجراءات ضد مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين بشبهة ضلوعهم في تنفيذ جرائم حرب. ويدعم وزير الدفاع ايهود باراك موقف رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غابي أشكنازي الرافض تشكيل لجنة مستقلة بداعي أن ذلك يمس بصدقية الجيش وبالتحقيقات التي أجراها بنفسه، وهي تحقيقات سبق أن أعلن «تقرير غولدستون» أنها ليست مقبولة من ناحية القانون الدولي الذي يلزم إجراء تحقيق جنائي في حال الاشتباه بوقوع جرائم حرب. أما وزيرا الخارجية والقضاء أفيغدور ليبرمان ويعقوب نئمان فيدعمان تشكيل لجنة «تضع حداً للتسونامي السياسي والاقتصادي والملاحقات القضائية لسياسيين وضباط كبار أثناء زياراتهم دولاً أوروبية، والتظاهرات ضدهم، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية في أوروبا»، كما أضافت «يديعوت أحرونوت». ويدعم الوزيرين في هذا الموقف المستشار القضائي للحكومة المنتهية ولايته ميني مزوز الذي قال لصحيفة «هآرتس» أمس إن «إسرائيل سترتكب خطأ فادحاً في حال لم تشكل لجنة مستقلة لفحص تقرير غولدستون». وأضاف أن تقرير غولدستون يشكل تهديداً شديداً على إسرائيل «وعلى رغم أنه تقرير منحاز يتضمن ادعاءات ليست مدعومة، فإنه سيلاحقنا ويسلب منا الشرعية». وتابع أن ثمة خطراً بأن «تتم مساواة إسرائيل بصربيا، وعليه ثمة مصلحة واضحة لنا لإجراء عملية فحص مهنية ... سيكون خطأ فادحاً في حال لم نشكل لجنة بهذه الصورة أو تلك». وتبنى رئيس المحكمة العليا السابق أهارون باراك موقفاً مماثلاً، وسبق أن دعا الحكومة إلى تشكيل لجنة تحقيق تكون لها صلاحيات فعلية وتنال ثقة المجتمع الدولي. وبحسب «يديعوت أحرونوت»، فإن المشاورات التي أجرتها في الأسابيع الأخيرة أوساط سياسية وعسكرية وقضائية إسرائيلية في ما بينها لبلورة موقف من تقرير غولدستون وتقديمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة بحلول 29 الشهر الجاري (أمس) أفضت إلى تسوية قد تتيح التغلب على معارضة باراك وأشكنازي تشكيل لجنة فحص. وقال مصدر سياسي رفيع إنه تم تبليغ أشكنازي والمؤسسة الأمنية أن الفحص لن يشمل استدعاء جنود وضباط ميدانيين إنما سيقتصر على فحص قرارات الحكومة والقيادة العسكرية العليا خلال الحرب، «ولا يوجد لقادة الفرق والوحدات العسكرية المختلفة ما يخشونه». وبحسب التقديرات، سيتم استدعاء شخصيات رفيعة للمثول أمام اللجنة مثل رئيس الحكومة السابق ايهود اولمرت وأعضاء المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية السابق والجنرال أشكنازي وقائد المنطقة الجنوبية يوآف غالنت وقائد لواء غزة ايال ايزنبرغ. وستقوم اللجنة بفحص القرارات التي اتخذها المستويان السياسي والعسكري خلال الحرب. وقال مسؤول إسرائيلي للصحيفة إن تشكيل لجنة فحص «أمر لا بد منه»، فالمشكلة لا تبدو أنها ستختفي... في الوقت الراهن يستصدرون أوامر اعتقال دولية ضد ضباط وشخصيات سياسية، وإسرائيل قد يتم تعريفها على أنها دولة تنفذ جرائم حرب». لكن جهات سياسية حذرت من قيام الحكومة بتشكيل لجنة فحص فقط «لأغراض خارجية»، أي لدرء الضغوط الدولية لتشكيلها، من دون أن تكون لها صلاحيات حقيقية لإجراء تحقيق في ادعاءات تقرير غولدستون. وقالت إن العالم لن يقبل بلجنة يراد منها التغطية لا حل المشكلة «وعليه فإن إسرائيل في مأزق حقيقي». وكانت صحيفة «هآرتس» ذكرت هذا الأسبوع أن نتانياهو سيقر تشكيل «لجنة تقصي الحقائق» تضم خبراء في القانون الدولي يتمتعون بمكانة دولية، على أن تستمع اللجنة لإفادات قياديين سياسيين وعسكريين وإلى معدي التحقيقات الداخلية في الجيش، «لكنها لن تحقق مع ضباط وجنود شاركوا في العمليات العسكرية في قطاع غزة خلال الحرب». وفي نيويورك، قال المراقب الفلسطيني الدائم لدى الأممالمتحدة رياض منصور في مكالمة هاتفية مع «الحياة» ان «الرئيس عباس شكل لجنة تحقيق وحضر تقريراً أولياً، وسنقدمه اليوم (الجمعة) الى الأمين العام». وكان من المتوقع ان يلتقي منصور الصحافيين العرب بحدود الساعة الثالثة بعد الظهر. ووفقاً لتصريحات المندوبة الإسرائيلية في الأممالمتحدة غابرييلا شاليف، سيقدم الجانب الإسرائيلي «معلومات بدلاً من تقرير» و «التي ستساعد الأمين العام على تحضير تقريره» الذي من المتوقع ان يقدمه بان كي مون الى الجمعية العامة في الخامس من شباط (فبراير).