قدّم الإعلام اللبناني خلال تغطية أخبار الطائرة الأثيوبية التي سقطت في البحر، نموذجين يجب التوقف عندهما طويلاً. النموذج الأول ايجابي وأظهر اندفاع الإعلاميين وخلفهم مؤسساتهم إلى العمل بكل جدّ وجهد لتغطية الحادث. إذ انتشر الصحافيون على الشاطئ وفي أروقة المطار وراحوا يجمعون الأخبار ويبثونها مباشرة، متحدين الطقس العاصف، وكذلك غضب ذوي ركاب الطائرة الذين تنادوا إلى المطار، فتحملوا شتائمهم وتهديدهم ووعيدهم... ناهيك بمنع القوى الأمنية الصحافيين من ممارسة دورهم وإخراجهم من صالون الشرف غير مرة. وهذا لم يره المشاهدون، وهو جانب من مهنة المتاعب ولا يمكن انتظار تقدير على تحمله. النموذج الثاني سلبي، وهو بث وسائل الإعلام في ظل غياب اي ناطق رسمي أخباراً ومعلومات كثيرة، بعضها مغلوط وغير دقيق معظمه منسوب إلى روايات أخذت على عجل من أشخاص عاديين أو من أشخاص سمّاها الإعلام مصادر، جعلت المتلقين يحمّلون المسؤولية لبرج المراقبة تارة وللطيار تارة أخرى، وطوراً صوّر الأمر على أنه عمل إرهابي، بينما الحقيقة لا تزال في أعماق البحر. لم تأخذ وسائل الإعلام التي نقلت من اللحظات الأولى عن شهود قولهم أن الطائرة انفجرت في الجو واحترقت ثم سقطت في الاعتبار، مشاعر ذوي الركاب. وكذلك لم يتنبه الإعلاميون الذين انتشروا على الشاطئ ليبثوا هذا النوع من الكلام الذي ينعي الركاب قبل تأكد الخبر، أن لهم زملاء في المطار بين الأهالي يعيشون معهم على أمل العثور على ناجين... لكنّ زملاءهم حوّلوهم إلى وجه شؤم يستحق الطرد والإهانة. والغريب أن التناقض في بث المعلومات لم يقتصر على اليوم الأول الذي اربك الجميع، الدولة والاعلام والناس، بل استمر في الأيام التالية وبقيت الأخبار المتكررة خبراً أول في كل موجز ونشرة. وكذلك كان ضرورياً للتلفزيونات تلك الوقفة على الشاطئ لاظهار مراكب وطوافات تعمل في الخلفية بينما المراسل يستمد معلوماته من مصادر عبر جواله او ربما من مكتب تحريره لأنه بكل بساطة كان عاجزاً عن التحدث إلى القطع البحرية والجوية... والأغرب من كل هذا أن وسائل الإعلام لم تصغِ إلى نداءات سياسيين أطلّوا عبر منابرها، داعين الى الكف عن بث التحليلات والأخبار غير الدقيقة «من اجل سبق صحافي». ولكن لم يستجب أي منها بل ظل مذيعون يلّوحون برؤوسهم ذات اليمين وذات اليسار أو إلى الأمام وكأنهم «ينطحون» المشاهد... وحتى حين أعلن رسمياً تلقي أجهزة البحث اشارات من الصندوق الأسود، خرجت وسائل إعلام لتقول إن الصندوق الاسود انتشل، بينما السفن المتخصصة المزودة بأحدث التقنيات لا تزال تبحث عبثاً عنه. أما في ما يتعلق بالأخبار التي بثّت من أمام مستشفى الرئيس رفيق الحريري فحدّث ولا حرج. لم يكن للموت رهبة على تلك الشاشات. من الصعب أن يشفع للإعلام تجاوزه القاعدة الأساس في عمله: خذ الخبر سريعاً لكن خذه صحيحاً.