زمن كان الناس فيه يهرعون إلى الأطباء طلباً للاستطباب طمعاً في الشفاء، ويتحملون في ذلك الغالي والنفيس، حتى غدوا في هذه الأيام يهرعون إليهم بأفواه مليئة بالإهانات، وجيوب احتفظت بأسلحة بيضاء، مهددة ومتوعدة، ما جعل الكثير من الأطباء العاملين في منطقة حائل يطالبون بتكثيف الحضور الأمني في مواقع عملهم، لا سيما بعد حادثتي الاعتداء التي وقعت في محافظتي الشملي، وتربة. وفي عدد من المستشفيات والمراكز الصحية الموجودة بمحافظات وقرى تابعة لمنطقة حائل.. هنا بدأت الشرارة، لم يكن التهديد مختصراً على جنس دون آخر، فجميعهم أطباء وطبيبات ممرضون وممرضات، يستنجدون لوضع حد لتكرار مسلسل الاعتداء اللفظي، خصوصاً وأنهم لا ينفكون حتى تظهر لهم حلقة جديدة من مسلسل الاعتداءات، مؤكدين أن حالات الاعتداء الجسدي على الأطباء باتت متكررة بين الفينة والأخرى، وأن الاعتداءات ستستمر حال عدم توفير حراس أمن. مأدبة عشاء أقامها المحامي زاهر أحمد، بمناسبة صدور قرار نقل حرمه الطبيبة تيسير، التي زجت بها الأقدار بالعمل في مركز الرعاية الصحية الأولية بمدينة تربة (200 كيلومتر شمال شرقي مدينة حائل)، إذ كثر فيها مظهر العنف ضد الأطباء. وقال زاهر في حديثه ل«الحياة»: «قدمت مأدبة عشاء بعد صدور قرار نقل زوجتي إلى مركز صحي داخل مدينة حائل، خصوصاً وأنها كانت تفكر بتقديم استقالتها من العمل بعد تعرضها مرات عدة للإهانة والاعتداء اللفظي بشكل يومي من المراجعين من الجنسين وبالتحديد صغار السن». مضيفاً: «عملت زوجتي خلال عامين بالمركز إلى جانب ستة أطباء، ونظراً لكثرة ضغط المراجعين على المركز الذي يعمل على مدى الساعة إلا أنها كانت تتعرض لمواقف يومية من الاعتداء اللفظي، سواء من المراجعات أم المراجعين، حتى أن طفلاً لا يتجاوز عمره السبع سنوات تلفظ عليها في أحد المرات وأسمعها كلاماً غير لائق»، وطالب زوج الطبيبة بوضع حد لمسلسل الاعتداءات التي يتعرض لها الطاقم الطبي، خصوصاً في المراكز الصحية في القرى، مشيراً إلى أن الحاجة باتت ملحة لتوفير مندوب للشرطة في تلك المراكز أو على الأقل توفير رجال أمن صناعي لتوفير الحماية للأطباء من تلك الاعتداءات التي تشكل عبأ نفسياً على الطاقم الطبي، وتجعل منه مشتت الذهن ما قد يحول على قيامهم بتأدية دورهم على الوجه المطلوب. من جهتها، أكدت ممرضة تعمل في مستشفى سميراء العام (فضلت عدم ذكر اسمها) أن حوادث الاعتداء الهمجي كما وصفته سواء الجسدي أم اللفظي على الأطباء والممرضين بات في تصاعد واضح في المستشفيات العامة والمراكز الصحية في الآونة الأخيرة، وتقول: «هذه الأفعال بدأت تسبب إحباطاً لمعنوياتنا وخوفاً يدفعنا للمطالبة من وزارة الصحة بضرورة تفعيل القوانين والإجراءات المتبعة لحماية الأطباء والممرضين أثناء تأدية عملهم والقيام بواجبهم». وأوضحت أن «صحة حائل» فشلت في مواقف عدة في حماية منسوبيها بوقوفهم في صف الشخص المعتدي، ويحاولون تبرير الاعتداء، مشيرة إلى أن هذا التصرف هو السر خلف تكرار واستمرار حالات الاعتداء. بدوره، أوضح طبيب في مركز صحي الحليفة السفلى (طلب عدم الكشف عن اسمه) أنه تعرض خلال الشهرين الماضيين فقط لأكثر من 14 حالة اعتداء، منها 12 حالة اعتداء لفظي وهو أمر شائع، وحالتي اعتداء جسدي، إحداهما كان اعتداء من شاب لا يتجاوز عمره 16 عاماً، ويضطر في كل مرة إلى التنازل عن حقه خشية تعرضه لاعتداء أكبر قد يشكّل خطراً على حياته في حال عدم تنازله. ودعا الجهات المسؤولة إلى حماية الأطباء من خلال توفير حراس أمن والتحرك الفعلي نحو تطبيق القوانين والتعليمات ضد من يعتدي على الطبيب من إدارات المستشفيات والمراكز الصحية، ومن مراكز الشرطة، إذ يتم الضغط دائماً على الطبيب المعتدى عليه لكي يتنازل عن حقه.