عندما يجتمع الرئيس الأفغاني حامد كارزاي والقيادات الدولية في لندن لحشد الدعم الدولي لأفغانستان، فإنهم يحسنون صنعاً بأن يناقشوا كيف يحققون شيئاً من العدل والإنصاف لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد في الماضي والحاضر على السواء. كان الإفلات من العقاب عنصراً رئيساً في حلقات العنف التي لا تبدو لها نهاية والتي دمرت حياة أعداد لا تحصى من الأفغان. وهو جزء لا يتجزأ من شرور الرشوة والفساد، ومن إخفاقات الحوكمة وسيادة القانون التي يُزمع تناولها في مؤتمر لندن. وبينما يبقى سلطان أمراء الحرب وانتهازيي الحرب ومجرمي الحرب وجشعهم على حالهما إلى حد كبير، وتستمر مؤسسات الحكم في ضعفها، يتهدد الخطر حتى النزر القليل من المكاسب التي تحققت في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الثماني الماضية. ولم تفسد عودة العنف والغش وحدها انتخابات العام الماضي التي كانت مدعاة للتفاؤل، بل أفسدتها أيضاً شدة الضغوط على حرية التعبير، وعلى المشاركة السياسية، فضلاً عن رد الفعل العنيف ضد حقوق المرأة. واليوم لا يعتبر معظم الأفغان أنفسهم ضحايا للنزاع فحسب بل للخروج على القانون، وانتشار أجواء الإفلات من العقاب التي تغض الطرف عن الإيذاء «المنخفض الحدة» وعن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على حد سواء. وليس الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان من مصادفات القدر ولا هما بالحوادث غير القابلة للتحدي، بل هما مظهر صارخ للعنف لا يخفف من حدته شيء لكيفية تنظيم الأدوار وكيفية تخصيص الموارد واستخدامها وكيفية توزيع السلطة في أفغانستان. فما دام صناع القرار وسماسرة السلطة المتعسفون فوق القانون، سيرسخ الاستغلال والحرمان والتهميش والتمييز في شكل أكبر. ولا يمكن تحقيق العدالة، بما فيها العدالة الاجتماعية والاقتصادية، حتى يتم التصدي للإساءة والتمييز والظلم وكبح جماحها في كل صورها. في ظل هذه الخلفية، ليس من المستغرب أن تزداد خيبة الأمل من عملية «التحول الديموقراطي» عمقاً وانتشاراً. فالارتياب في نماذج الحوكمة التي تبدو منافية لطموحات المجتمع والفرد الأفغاني آخذ في التصاعد. والهياكل الحكومية ينظر إليها الجميع على أنها غير ديموقراطية، وغير منصفة، وغير قادرة على تقديم أبسط الخدمات أو أدنى أنواع الحماية الأساسية. أفادت «طالبان» وغيرها من جماعات المعارضة المسلحة من هذه الحال في تكثيف جهودها العسكرية وتكوين أنظمة حكم موازية تجتذب المجتمعات المحلية اليائسة والمحبطة أو تضمها قسراً إلى معسكرها. ولا بد من تدابير لعكس مسار الاتجاهات الراهنة. وبادئ ذي بدء، تقتضي العدالة والاستقرار في أفغانستان الاعتراف بالسمات الإيجابية الكثيرة في المجتمع الأفغاني والبناء عليها، والاستناد إلى صموده وإلى رغبة السكان العاديين في العيش بسلام وكرامة. ولا يمكن أن يتحقق هذا من دون تعبئة الإرادة السياسية والدعم الدولي لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. ويجب أن تنعكس سيادة القانون في مؤسسات حوكمة ذات صدقية تعبر عن اتفاق حقيقي بين الشعب الأفغاني ومن يشغلون مناصب السلطة. غير أن إقرار المصالحة الوطنية، وإقامة الإصلاحات المؤسسية القادرة على البقاء، وإحلال الاستقرار الدائم تتطلب آليات قادرة على استجلاء الحقيقة في شأن الانتهاكات، ومكافحة الإفلات من العقاب، وتقديم العدالة للضحايا وإنصافهم من معاناتهم. وينبغي إيجاد آليات للمساءلة والمصالحة وفقاً للأعراف والمعايير الدولية، ويجب أن تتمثل فيها طموحات الشعب الأفغاني، وأن تستخدم هذه الآليات لاجتثاث الممارسات الفاسدة والتعسفية ومرتكبي فظائع حقوق الإنسان الذين يُبقون بأفغانستان رهينة لماضيها. طال أمد قمع أصوات الضحايا الأفغان وآراء النساء وجماعات الأقليات أو إهمالها. وما يلزم في هذه الظروف الحرجة هو وضع إطار منقح للتواصل يشمل مجموعة عريضة وممثلة لمجتمعات أفغانستان المحلية المتنوعة، بما في ذلك المرأة والأقليات وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. ولا بد لهذا المحفل التشاركي من أن يمكّن جميع المساهمين من التعبير بحرية عن آرائهم والإعراب عن شواغلهم وتوصياتهم من دون خوف من الانتقام. ولا بد من أن يستمر فترة طويلة من الزمن بدلاً من أن يكون اجتماعاً لمرة واحدة سرعان ما يغشاه النسيان بعد أن ينطفئ بريق وسائل الإعلام. ونشجع الزعماء الأفغان وشركاءهم على الصعيد الدولي على تعزيز مناخ تظل فيه قضايا المساءلة والشفافية والمشاركة الحقيقية بين أولويات خطة السلام والمصالحة، الآن أو في المستقبل. * مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق اللاجئين