نصف الرجال البالغين في مصر (25 – 44 عاماً) ينفثون دخان السجائر، وثلاثة أرباع النساء في مصر يستنشقونه، والجميع يدخن سلبياً في المطاعم والمقاهي وأماكن العمل، بل إن نصف التدخين سلبي يجري في منشآت الرعاية الصحية المصرية. نتائج المسح العالمي لتعاطي التبغ بين البالغين المصرين التي أعلنت أمس في القاهرة جاءت مفزعة ومفاجئة في آن. لا بل، يتوقع أن تفتح أبواباً عدة على مصاريعها أمام موجات الانتقاد والتحليل والاعتراض. فالمصريون الذين يعانون تردياً كبيراً في المنظومة التعليمية ينفقون على التدخين أكثر مما ينفقون على التعليم. والحكومة التي تسن قوانين مكافحة التبغ اصطدمت بالواقع الذي يشير إلى الصعوبات الجمة التي تواجه تنفيذ تلك القوانين. والجميعات النسوية التي تؤكد حجم المساواة الذي تحقق بين الرجال والنساء تجد أن النساء مضطرات إلى ملء رئاتهن بالدخان الذي ينفثه الذكور في البيت والشارع ومكان العمل. وأعلنت جميع الجهات الضالعة في المسح، وزارة الصحة المصرية والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والمكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية، عن دهشتها الشديدة لاكتشاف انتشار شكل قديم من أشكال تعاطي التبغ في مصر، ألا وهو التبغ الممضوغ الذي يحتل المرتبة الثالثة من حيث الانتشار بعد السجائر والشيشة. مساعد وزير الصحة لقطاع الرعاية الصحية الأساسية الدكتور نصر السيد قال: «لقد دهشت حين عرفت أن خمسة في المئة من المصريين يتعاطون التبغ الممضوغ بعد ما كنت أعتقد أنه ظاهرة ارتبطت بستينات القرن الماضي واختفت، وذلك وقت كانت علبة التبغ المخلوط بالعسل تباع بقرش واحد، وتقبل عليها الفئات المتواضعة اقتصادياً لرخصها واستمرار نكهتها فترة أطول من السجائر». وقد وصف القائمون على المسح وضع التدخين في الأماكن العامة في مصر ب»الكاراثي»، إذ اتضح أن 70 في المئة من المصريين يتعرضون للتدخين السلبي في الأماكن العامة، وذلك رغم حظره بالقانون. وأعرب السيد عن اندهاشه من أن ينفق المواطن المصري ستة في المئة من دخله على التدخين في الوقت الذي يعاني فيه مشكلات اقتصادية جمة. ورغم خفض نسب التدخين بين المصريات (0.6 في المئة)، إلا أن السيد اعتبرها مرتفعة في ظل الرفض الاجتماعي لتدخين النساء، وهو ما حذر منه المسح لاسيما أن حملات الترويج للتبغ باتت تربط بين التدخين والتحضر النسوي. ولما كانت 73 في المئة من المصريات يعشن في بيوت يسمح فيها بالتدخين، فقد أعلنت وزارة الصحة عن حملة لمكافحة التدخين تستهدف رفع الوعي في شأن مضار التدخين داخل البيوت. هذه الحملة رد عليها أحد المواطنين الذين شملهم المسح (21 ألف مواطن) بقوله المستنكر: «واحد بيولع سيجارة في بيتي! أقول له اطلع بره؟! حاجة غريبة قوي!» الغريب أن الغالبية العظمى من المصريين على علم بالأمراض القاتلة التي يسببها التدخين، إلا أن التفكير في الإقلاع عن التدخين ليس سائداً (45 في المئة من المدخنين)، والنجاح في الإقلاع ما زال قاصراً (18 في المئة)، ومطالبة المدخنين بعدم التدخين في داخل البيوت ما زال أمراً محرجاً (51 في المئة تسمح به في بيوتها). الطريف أن حملة جديدة لوزارة الصحة عرفت طريقها إلى الأسواق قبل أيام وأثارت موجات من الغضب والفكاهة، إذ تباع علب السجائر حالياً في السوق المصرية مزينة بصورة سيجارة مقوصة مذيلة بعبارة أن «التدخين يسبب الضعف الجنسي». من جهة أخرى، يتوقع أن تحفر مدينة الإسكندرية اسمها في التاريخ الحديث في الشهر المقبل، إذ يتم إعلانها مدينة خالية من التدخين، في محاولة حكومية جادة لتوفير قسم من البلايين الثلاثة من الجنيهات التي تتكبدها بسبب أعباء التدخين، وال110 جنيهات التي ينفقها المواطن على التدخين من دخله الشهري، وكذلك محاولة لزحزحة اسم مصر من على قائمة دول العالم الأكثر استهلاكاً للتبغ.