هل نتعرّف الى السعادة إذا صادفناها من دون أن نبحث عنها؟ بطل رواية أورهان باموك الأخيرة يجد سعادته ويهملها فيخسرها ويطاردها ليفقدها ثانية. «متحف البراءة» الصادرة عن دار فابر وفابر، بريطانيا، رواية الكاتب التركي الأولى بعد نيله نوبل الأدب في 2006. يحكي الحنين الى امرأة ومدينة، ويستهل الرواية بلحظة تجلٍّ وشجن: «كانت أسعد لحظة في حياتي مع أنني لم أدرك ذلك. لو عرفت، لو تعهدت هذه الهدية، هل كان الأمر اختلف؟ نعم، لو تنبهت الى لحظة السعادة الكاملة هذه لَكُنتُ أمسكت بها بسرعة لكي لا تفلت. في ثوانٍ قليلة ربما أحاطتني تلك الحال المضيئة وغمرتني بسلام عميق، لكن بدا أنها دامت ساعات، وحتى سنوات. في تلك البرهة بعد ظهر الاثنين 26 أيار 1975، عند الثالثة إلا ربعاً تقريباً، فور شعورنا أننا فوق الخطيئة والذنب بدا العالم متحرراً من الجاذبية والزمن». يستعد كمال، ابن الأسرة الصناعية الثرية، لخطبة سيبال عندما يلتقي شابة تصعقه. كانت فسون ابنة خياطة تستعين بها نساء طبقته، وربطته بها قرابة بعيدة. التقيا في شقة تملكها والدته، وظن أنه يستطيع الجمع بين المرأتين، فعقد خطبته على سيبال في حفل فخم. اختفت فسون في اليوم التالي فأدرك كمال أنها كانت من أرادها شريكة، وحوّل الشقة متحفاً لأشيائها. أعقاب سجائرها، قرط أذنيها، فناجين الشاي، جواربها البيض. تدمر تعاسته زواجه العتيد، ويكافأ بعد 339 يوماً برسالة من المعشوقة الغالية. تطلب منه زيارتها في مدينة بعيدة بعد زواجها من مخرج سينمائي متعثر، فيتوصل مثل كل عاشق صالح الى تسوية حكيمة. يفضّل أن يكون قريباً منها وإن كانت لغيره، على أن يبتعد ويسحقه عذاب الفراق. بعد سبعة أعوام وعشرة أشهر و1593 عشاء (نعم) في منزلها يسترجع الحب والسعادة ليفقدهما مجدّداً. يعيش باموك في نيويورك، ويحيي إسطنبول مزاجاً وروحاً وأمكنة تتوهج في ذاكرته. كما يحار البطل بين امرأتين ومصيرين، تجمع المدينة ثنائياتها وتضيع بينها. إسطنبولالشرقيةالغربية، المسلمة المسيحية، المتدينة العلمانية، أغنت أدب باموك بتناقضاتها، لكن كمال يستحضرها في «متحف البراءة» بحنان يقبل بها كما هي من دون نقاش. يتذكر أفلام السبعينات وبرامجها التلفزيونية، ألعاب رأس السنة، الساعات في البيوت، المطاعم الأوروبية الطراز، هواء البوسفور وروائحه. يشد باموك القارئ بالإطار التاريخي أو البوليسي في الوقت الذي يحرص على شخصيات معقدة غنية ولغة أنيقة كثيفة. آباء وأمهات يتساءل شينوا أشيبي في «تعليم طفل تحميه بريطانيا» عن هويته إزاء الاستعمار السابق والدولة المستقلة التي تلته. في مجموعة المقالات الصادرة عن مطبعة ألن لين، بريطانيا، يقول الكاتب الحائز على جائزة مان بوكرالدولية ان «الجنسية النيجيرية كانت لي ولجيلي نكهة يكتسب حبها مع الوقت مثل الجبنة». جواز السفر الأول الذي أصدره الكاتب وصفه «كشخص تحميه بريطانيا، هوية غير مثيرة للحماس تجسّدها عبارة لن يقتل أحد نفسه من أجلها. لا أعني أنها كانت مجرّدة تماماً من المعنى العاطفي. في النهاية، عنت كلمة «بريطاني» أنك موجود في مكان ما من الجزء الأحمر الناري من خريطة العالم، ربع الكرة الأرضية الذي سمي في ذلك الوقت «الإمبراطورية البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس». أحببت سماع العبارة بأذني طفولتي - اخوة سحرية، غامضة ولكن مجيدة بالنيابة». بدأ بحث ألبرت شينولوموغو أشيبي عن هويته في الجامعة حين تخلى عن اسمه الأول ونصف اسمه المتوسط. كان في الثامنة والعشرين عندما أصدر «الأشياء تنهار» عن رجل عصامي من أمة الإغبو مثله بشّر بثقافته الأفريقية وآمن بأن اعتماد الحضارة الغربية سيدمّر المجتمع المحلي. في 1966 صدرت روايته «رجل من الشعب» التي انتقدت فساد السلطة الاستقلالية في بلد أفريقي، وانتهت بانقلاب عسكري. في اليوم التالي لصدورها وقع انقلاب عسكري فاشل فاتهم أشيبي بالتواطؤ مع القائمين به. قصد جنود منزله ليتأكد مما إذا كانت البندقية أقوى من القلم لكنه كان هرب مع أسرته الى بيته في إقليم الإغبو. أيّد انفصال أمته وإعلانها دولة بيافرا (1967 - 1970) وعمل سفيراً لها، ثم قصد أميركا إثر انهيارها ليعلّم في مساتشوستس. في 1991 شل نصفه الأسفل في حادث سير في بلاده فعاد الى الولاياتالمتحدة للعلاج والتدريس في بارد كولدج، قرب نيويورك، وهو يستعد اليوم للانتقال الى جامعة براون. قبل انسحاب بريطانيا من نيجيريا في 1960 كتبت ربة بيت إنكليزية نشيد الدولة المستقلة الوليدة وتوجهت الى «أرضنا الأم». استبدلته لجنة من المفكرين بآخر أعطى البلاد صورة الأب. لكن أشيبي لا يرى نيجيريا أباً أو أماً بل طفلاً يملك قدرة هائلة من الموهبة والمشاكسة. أن تكون نيجيريا أمراً محبطاً ومثيراً في الوقت نفسه، وأن تنتمي الى الإغبو مسألة تثير الآلية الدفاعية فوراً. لماذا اضطهدت هذه الجماعة النساء وقدّمت الأضحية البشرية وأهملت التوائم حتى الموت خوفاً من شرهم؟ جوابه سؤال. هل تعني أن الإغبو مجتمع متوحش لا يحق له الدفاع عن نفسه؟ انظر الى شعبوية اليمين المتوحشة في أميركا، وسارة بالين المرشحة السابقة لنيابة الرئاسة وبات روبرتسون الواعظ الإنجيلي الذي قال ان الهزة ضربت هايتي لأن أهلها باعوا أنفسهم للشيطان. علاقات حب قسمت أنتونيا فريزر الصحافة البريطانية مجدّداً مع صدور كتابها «هل عليك الرحيل؟ حياتي مع هارولد بنتر» في الذكرى الأولى لرحيله. كانت الليدي أنتونيا متزوجة من السير هيو فريزر وأماً لستة أولاد عندما التقت الكاتب في منتصف السبعينات. أقامت شقيقتها عشاء بعد العرض الأول لمسرحية بنتر «حفلة عيد الميلاد» وعندما ودّعته أنتونيا قائلة انها أعجبت بالمسرحية سأل: «هل عليك الرحيل؟» بقيت حتى الثانية والنصف فجراً، وغادرا معاً الى بيتها حيث بقي حتى السادسة صباحاً «بطيش خارق، لكن الطائش الحقيقي كان أنا». كان كلاهما متزوجاً منذ ثمانية عشر عاماً، ولم تكن العلاقة الأولى بعد الزواج لأي منهما. عرف زوجها النائب في البرلمان بخياناتها التي دعتها «علاقات حب» وعندما أخبرته عن بنتر قال: «أفضل كتاب المسرح الأحياء. هذا ملائم جداً». تقول في كتابها: «أردت دائماً أن أقع في الحب (...) أردت دائماً أن أتعرف الى عبقري». أهدت بنتر كوبا كتب عليه: «أنت عبقري» وقالت ان «نصف بنتر الذي ليس (سامويل) بيكيت هو همنغواي». كانت في الثالثة والأربعين واشتهرت بكتابيها عن ماري ملكة سكوتلندا وأوليفر كرومويل اللذين جمعا الالتزام العلمي والقدرة اللغوية الجذابة. صارح زوجته الممثلة فيفيان مرشانت بعلاقته فظنت أنها تنتقم بكشفها للصحافة. قارنت الصحف بين المؤرخة الأرستقراطية الكاثوليكية واليهودي ابن الطبقة العاملة، لكن فريزر رأت أنهما ينتميان الى طبقة واحدة هي الطبقة البوهيمية، وراقها إضفاء طابع أسطوري على حبهما: «يوليس عاد الى حبيبته بينيلوبي». عزّزت مقاومة الزوجة وملاحقة الصحافة شعورهما بأهمية العلاقة، وخطّط بنتر للزواج بفريزر في عيد ميلاده الخمسين. لكن فيفيان رفضت توقيع أوراق الطلاق فكتبت باحتقار عن «الانتفاضة الأخيرة لذيل الأفعى». اكتأبت مرشانت وشربت وتوفيت بعد عامين من زواج زوجها السابق بعشيقته، وتبعها هيو فريزر بعد عامين آخرين إثر إصابته بسرطان الرئة. ولئن وجد الكاتب السعادة في أسرته الجديدة ولعب دور الجد الطيب مع أحفاد أنتونيا السبعة عشر، قاطعه ابنه الوحيد من مرشانت، وغيّر اسم عائلته، وأصابته الخلافات بين والديه بانهيار عصبي تسبّب بسقوط شعره. عند وفاة بنتر ليلة عيد الميلاد 2008 بالسرطان ترك أكثر من أربعة ملايين جنيه لأنتونيا وثلاثمئة ألف لابنه مع بيت صغير يسميه الإنكليز كوخاً. ركز بنتر على السياسة بعد زواجه الثاني وعارض مع زوجته حزب المحافظين بعد أن كان كلاهما انتخب مارغريت ثاتشر لأسباب نسوية. أسّسا مجموعة «حزيران 20» الأدبية المعارضة وبلغت حماستهما لحزب العمال حداً تساءلت معه ما إذا كان ينبغي أن تطلب سائقاً يؤيد حزب العمال ليقلهما الى بيت صديق. انتقدت صحف سرعة فريزر في الكتابة عن زوجها الراحل الحائز على نوبل الأدب في 2006، واتهمتها بالرغبة في الكسب المادي. وذكرت «ذا صانداي تايمز» أن نوعية الأعمال التي كتبها بنتر قبل زواجه بفريزر فاقت تلك التي أصدرها بعده، واقتصرت على مسرحية جيدة واحدة هي «الخيانة» المستوحاة ربما من علاقتهما.