يقول الخبر «إن طفلاً فيتنامياً يتيماً أصبح بعد 36 عاماً من يتمه وزيراً في الحكومة الألمانية الجديدة!»... وتفصيلاً تقول الحكاية إن عائلة ألمانية تبنت طفلاً فيتنامياً يتيماً كان يعيش في ملجأ لليتامى في فيتنام، عندما كان في الشهر التاسع من عمره، وعندما بلغ الرابعة انفصل المُتبني عن المتبنية، فبقي الطفل مع أبيه بالتبني جاعلاً منه قدوته في الحياة، وحين بلغ ال «18 عاماً» التحق بالوحدة الطبية في الجيش الألماني ثم حصل بعد ذلك على شهادة جامعية في الطب، وتزوج زميلة له في التخصص، ثم حصل بعد الزواج على درجة الدكتوراه، ولأن له «هوى في السياسة» فقد التحق بالحزب الديموقراطي الحر، الأمر الذي أسهم في دخوله معترك السياسة من أوسع أبوابها، فصار أولاً وزير الاقتصاد المحلي في ولاية سكسونيا السفلى في شهر (شباط) فبراير من العام الماضي، ثم وزيراً للصحة في عموم ألمانيا قبل أيام وهو في ال «36» من عمره! لنقرأ هذا الخبر من زاوية محلية وبعيون كويتية: «بسام» فلسطيني وُلد في الكويت في العام 1965، وعندما بلغ الثانية من عمره قُضي أبواه في حادثة مرورية مؤسفة على أحد طرق الكويت، تبنته عائلة كويتية مكونة من زوج وزوجة وطفلتين، وعندما أنهى دراسته الثانوية واجه مشكلات قانونية وإجرائية عدة حالت دون دخوله جامعة الكويت، أرسله أبوه بالتبني إلى إحدى الجامعات الغربية ليتخصص في دراسة الطب، عاد بسام طبيباً إلى الكويت وعمل في أحد المستشفيات الكبيرة، وبعد عشر سنوات حصل على الجنسية الكويتية «بالواسطة طبعاً»، إذ إن أباه بالتبني معروف بشكل واسع في الكويت وله أيادٍ بيضاء على كثير من الكويتيين، ولولا ذلك لما كان له أن يصير مواطناً كويتياً، لأن الجنسية الكويتية، حالها كحال جنسيات دول الخليج الأخرى، هبة ربانية لا يجوز إعطاؤها لغير أهلها، كما يعتقد الكويتيون والخليجيون الآخرون! أسهم بسام في تطوير بيئة العمل التي يعمل بها وجعلها مثالاً يُحتذى به في كل مناطق الكويت، وعلى إثر ذلك تم ترشيحه ليكون مديراً طبياً كبيراً في إحدى الوحدات الخاصة بوزارة الصحة الكويتية، لكن عندما علمت بعض الأطراف الفاعلة في الشأن الكويتي أن هذا الفلسطيني، الذي لم يدخل أبواه الكويت إلا عام 1963، سيكون مسؤولاً كبيراً في وزارة الصحة، راحت تُروّج للشوفينية الكويتية وتتساءل: هل كان جد بسام يسكن في جبلة أو شرق لُيعطى هذا المنصب الرفيع؟! كيف تُمنع هذه الوظيفة عن الأطباء الكويتيين الذين كان أجدادهم يعيشون خلف السور وتُعطى لفلسطيني لم يجف حبر جوازه السابق بعد؟! ما لكم يا كويتيون كيف تحكمون؟! لم تُعط الوظيفة طبعاً لبسام وفاز بها مواطن كويتي كان جده الرابع يعيش في حي شرق! وعلى إثر ذلك هاجر بسام، حزيناً وغاضباً، إلى أميركا، حزيناً على فراق الأرض المباركة الكويت وغاضباً على أهلها الجبليين والشرقيين، وفي أميركا رُزق بمولوده الأول واختار له اسم: كويت، وراح يجتهد في تربيته وتعليمه على أمل أن يفوز بمنصب وزاري أميركي في المستقبل، كما حدث لابن جاره البورتوريكي الذي أصبح وزيراً للعدل، على رغم أن أبويه لم يسكنا خلف سور مستعمرة «جيمس تاون» في فرجينيا! والآن لنتخيل تكملة هذه القصة بعد 40 سنة: في سنة 2053 اختار الرئيس الديموقراطي جون كالاهان الاقتصادي الأميركي من أصل عربي «كويت بسام» ليكون وزيراً للخزانة في حكومته الجديدة، وما أن أعلنت وكالات الأنباء هذا الخبر حتى أصيبت «الحال الاجتماعية» في الكويت بصدمة الفرحة! وراح المواطنون الكويتيون والمواطنات الكويتيات يتبادلون التهاني في المطاعم والمقاهي والملاعب وحتى عند إشارات المرور، وصارت المحطات التلفزيونية المحلية (السور والسور 1 والسور 2 والسور 3 والسور 4) تعرض البرنامج تلو البرنامج ممجدة في الكويتي ابن الكويتي الذي صار وزيراً للخزانة في أغنى وأقوى بلد في العالم. على الجانب الآخر من الوطن العربي في آسيا، أطلق الفلسطينيون حمائم الفرح في الضفة الغربية وأعلن محمود مازن محمود عباس أن يوم توزير «كويت بسام»، الذي ينتمي جده إلى مدينة رام الله، سيكون عيداً سنوياً للضفيين الغربيين. أما خالد وليد خالد مشعل فأعلن من مقر إقامته في دمشق أن أميركا تسعى إلى شق عصا الفلسطينيين بهذا التوزير المشبوه، وعليها إن كانت جادة في سعيها لإحلال السلام في الشرق الأوسط أن تُعين وزيراً آخر في حكومتها الجديدة ينتمي جده أو جد جده لإحدى مدن قطاع غزة، ليتوازن التمثيل الفلسطيني في الحكومة الأميركية. لم يتطرق الكويتيون في فضائياتهم وصحفهم الورقية والإلكترونية عام 2053 إلى أن والد جد «كويت بسام» لم يكن أحد ساكني شرق أو جبلة! لم يتحدثوا ولو إشارةً إلى أن جد كويت لم يكن حاصلاً على الجنسية الكويتية عندما فقد حياته وزوجته في أحد الشوارع الكويتية! لم ينبشوا في تاريخه القريب أبداً، بل انشغلوا بالفرح ولا شيء غير الفرح. الفلسطينيون أيضاً في البلدين غير المستقلين: الضفة والقطاع، لم يتبادر إلى ذهنهم أن «الأمركة» التي نشأ عليها كويت بسام هي التي أوصلته للوزارة في أميركا، وأن أصله الفلسطيني لم يكن له علاقة بالأمر لا من قريب ولا من بعيد، وأنه لو كان ترعرع ونشأ في الضفة أو القطاع لكان في غالب الأحوال مجرد هتّيف عند مقر الولاية في رام الله، أو مسؤول إطلاق صواريخ غراد بدائية الصنع في غزة. انتهت القصة المتخيّلة، لكن سأبدأ مقالتي من هنا: لو كانت بعض الأصوات الكويتية تطلب تطبيق القوانين الصارمة على مزدوجي الجنسية بعيداً عن مسألة السور، ومَنْ كان في داخل السور، ومَنْ الكويتي الحقيقي، ومَنْ غير الحقيقي؟ لوقفت احتراماً لها، لكن أن يتم تقسيم الكويتيين على أساس تاريخي فهذا ما لا أفهمه في عالم اليوم، الذي صار فيه ابن المهاجر الكيني حسين أوباما رئيساً لأقوى دوله في العالم، وابن المهاجر الهنغاري بال ساركوزي دي ناجي بوكسا رئيساً لبلد الحرية والإخاء والمساواة. كاتب وصحافي سعودي – أبو ظبي. [email protected]