في مجمل حديث رئيس الوزراء الماليزي «نجيب عبدالرزاق» للزميلة «الوطن» توقفت كثيراً عند مفاصل مثيرة، إنما كان التوقف الطويل عند السؤال الساخن الأكثر إثارة، ذاك الذي ذهب للعنق ليستخرج منه الإجابة الأهم عن السر وماهية العمل اللذين جعلا الخريطة الماليزية خالية من وجع الإرهاب، حفظت إجابته حرفاً حرفاً لأنها حملت في المضمون آلية تطبيق، ودروساً مستفادة من دولة إسلامية باتت تعلمنا كلما تقدمت بنا الحياة يوماً بعد يوم شيئاً جميلاً، ولتشكل حالة فريدة تستحق الاهتمام والتوثيق والمتابعة وفحص التجربة للمقاربة والمقارنة. قال الرئيس الماليزي في نص إجابته إن هناك أسباباً ثلاثة لخلو أرضه من الإرهاب تتلخص في: الإدارة الجيدة بالمكافحة، ثم صرامة القوانين والعقوبات، وآخرها النظام التعليمي المعتدل. لماليزيا قصة ممتعة مدهشة تستحق أن تُعْرَف وتُحْفَظ وتنقل بدءاً من تحولها المذهل من الفقر إلى الإنتاجية والحضور إلى قائمة العمالقة، وانتهاءً بقفزتها المدهشة من القاع إلى القمة ومن التبعية المهلكة إلى السيادة المقنعة، قفزاتها كانت في مدة وجيزة تعادل عمر مواطن ماليزي واحد بحساب الأيام والسنين، نظافة خريطتها من وحل الإرهاب كان مدعاة للتساؤل الجريء، ومغرية على معرفة الإجابة الثلاثية التي كانت بمثابة وصفة علاجية باهرة، تصلح لكل أرض ومعاناة ومن هناك ليأخذنا القياس بجولة على خريطتنا المحلية عبر أسرار ماليزيا الثلاثة، ولنتجاوز قليلاً ما يصادف القراءة والجولة من أوراق التناقض والتضاد في ترتيب وصفات العلاج الماليزية، إلا أن ما لا يمكن تهميشه وإزاحته من المركز الأول هو التعامل الخرافي من أجهزة الأمن السعودية مع كل الجروح والدمامل التي خلفتها أيدي التطرف، والتخطيط السليم لمتابعة اليدين اللتين تخططان، والعقول التي تفكر لإجهاض كل ما تؤديه وتخطط له باكراً والقضاء على الأوكار والجحور، ونزعها من الجذور على رغم التستر والاختباء والاختفاء والتمويه، إنما النجاح يثبت أن هذا العلاج متفوق فعال بشهادة كل من عانى وذاق مرارة وقسوة أن يضر أرضه عمل إرهابي، ظلت بعد ذلك القوانين والعقوبات تتراوح بين القسوة والقوة والعطف والرحمة، لأن وطن الإنسانية يدرك بقلوب وعقول رجاله أن هناك أبرياءً خُطِفَ منهم عائلهم أو ابنهم بلحظة مفاجئة فغاب عن أعينهم وعاد بطعن الجسد الصغير الذي احتضنه قبل أن يطعن جسده/ وطنه الكبير، فلم ترد أن توزع الطعون على أكثر من جسد وتنثر الجراح. ما كان الخلاف عليه لزمن وظل مثاراً لاختلاف الرأي وأجندة لحوارات متعددة هو النظام التعليمي المعتدل، قد نتوقف في الإشارة للنظام التعليمي على المدرسة والحصة الدراسية والمنهج، ونتناسى أن منبر الجمعة والمخيم الدعوي والمنشط المختلف تعلم وتربي بطريقة أخرى حتى وإن تم الإسهام والمشاركة في إعداد أوراق عملها وجدولها الزمني المثالي المطمئن، ولكنه يستحيل متابعة ما يدور خلف كواليسها وورش عملها، لأن هذا يتعلق بالضمير والفكر الراسخ في الذهن، قد يكون النظام التعليمي في طريقه لأن يتوازن مع الرأي الآخر ويمد بالجرعات الكافية لمفهوم الوطنية المتذبذب، ويحفز على قراءة العقول ومحاورتها لا المحاربة والصدام، لكن هذا العامل يظل الأبرز الذي يستطيع من خلاله المتتبع الخارجي لخريطة الإرهاب التشكيك في الجهود عبر الخوض في التفاصيل وتتبعه خطوة خطوة ولو باصطياد كل ما يتلامس معه، وقد نصدم باللغة التي نقرأها أحياناً في بعض المتنفسات الالكترونية وتحسب نتاجاً لمدخلات التعلم والتعليم، وحاصلاً لاستمرار التلقين وإثباتاً لتواصل حالات الاحتقان والحماسة والاندفاع لآراء شخصية متطرفة، ولهذا فهناك مزيد من التحديات في الطريق المستقبلي نحو العلاج الأبدي على مستوى النظام التعليمي، أهمها المتابعة الجادة للملقي والملقن والمنبر قبل المتلقي والمستمع. [email protected]