يعرف الإختصاصيون ان بيئة العراق، وخصوصاً بغداد، تعرّضت لتغيرات كثيرة، يصعب معالجتها ضمن الامكانات الراهنة التي تؤشر الى ضعفها التأجيلات المستمرة لمشاريع البيئة، فتظل عشرات منها حبراً على ورق. وغالباً ما تحتل مشاريع البيئة في العراق «الصدارة» في قائمة المشاريع المؤجلة حكومياً، بل أنه لوحظ خلو البرامج الانتخابية للاحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات النيابية، من أي اشارة الى البيئة! وأخيراً، أعلنت دائرة بيئة بغداد انها تتهيأ لنصب ثماني محطات ثابتة لقياس التلوث في مختلف مناطق العاصمة، وان المحطات المذكورة تتمتع بتقنيات عالية في قياس التلوث، وأنها ستوزع على نطاق أوسع. وفي المقابل، لا يمثل هذا الأمر سوى خطوة صغيرة في طريق معالجة التلوث. ويؤكد صباح ميخا مدير بيئة بغداد ل «الحياة»، ان وزارة البيئة اتخذت خطوات متنوّعة لمعالجة التلوث، بالاتفاق مع مجموعة من الوزارات، منها تقديم مشروع الى وزارة النفط للحدّ من استخدام الوقود الذي يحتوي على الرصاص. وبيّن ميخا ان الوزارة وعدت بأن يكون عام 2014 نهاية لاستخدام الوقود الذي يحتوي على الرصاص، في خطوة لمجاراة تطوّرات مُشابهة اتخذتها كثير من الدول. وأوضح أيضاً ان انتشار المولّدات الكهربائية زاد في تلوّث أجواء العاصمة، خصوصاً ان هذه المولدات تستخدم الوقود الذي يحتوي على الرصاص، كما ان الآلات المستخدمة في معظمها لا تنجز عملية الاحتراق التام للوقود، ما يزيد من نسبة الدخان والانبعاثات المُلوّثة التي تصدر منها. وأوضح ميخا ان مجلس محافظة بغداد استورد مولدات مركزية تتمتع بقدرة عالية على الاحتراق، وذات صفات أكثر تواؤماً مع البيئة، لتوزيعها في مناطق العاصمة. وتناول أيضاً نسب التلوث في نهر دجلة، مُبيّناً ان المناطق القريبة نصبت شبكات مياه جديدة، صارت اقل تلوثاً من تلك التي ما زالت تعتمد على شبكات المياه الصرف الصحي القديمة، ومُوضحاً ان انخفاض نسب المياة ولجوء بعض المعامل لرمي مخلفاتها داخل النهر، بطريقة غير قانونية، زادا من حدّة التلوث. تأجيل الحزام الأخضر في الآونة الأخيرة، ارتفعت أصوات الاستياء من المنظمات والباحثين البيئيين احتجاجاً على تأجيل انشاء الحزام الاخضر حول بغداد. وأكّد امين بغداد صابر العيساوي ان أهمية الحزام تكمن في عمل مصدات لمواجهة العواصف الترابية والرملية والتصحّر وتخفيف شدة الحرارة وتلطيف الأجواء وامتصاص مادة ثاني أكسيد الكاربون المنبعثة من المعامل والورش الصناعية. وفي أحاديث الى وسائل الإعلام، اعلن العيساوي أن الأمانة تنوي إرسال فريق من الإختصاصيين إلى دول عِدّة، للإطلاع على الأصناف الجديدة من الأشجار والنباتات التي تتلاءم وطبيعة الأجواء العراقية، وكذلك التعرّف الى أحدث الوسائل والتقنيات المستخدمة في إنجاح مشروع الحزام الأخضر. وقال: «الحزام الأخضر يساهم في خلق مناطق عزل، ويساعد في تحجيم الهيكل العمراني للمدينة ووقف توسعها أفقياً، إضافة الى خلق أماكن ترفيهية وسياحية، وتشجيع بعض الاستثمارات التي تتلاءم وطبيعة الحزام الأخضر البيئية، كما انه يمكن أن يكون سلة غذاء للعاصمة من خلال تشجيع الزراعة ودعم الفلاحين. وواجهت تلك التصريحات انتقادات حكومية، إذ اعتبر رئيس لجنة التخطيط الإستراتيجي في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي أن أمانة العاصمة غير موفّقة في اختيار التوقيت لطرح مشروع الحزام الأخضر كي يُنفّذ خلال العام الحالي، بسبب وجود جملة من المشاريع التي يتوجب ان تتقدّم في أولويتها بمشروع الحزام الأخضر، كمشاريع توفير المياه الصالحة للشرب وغيرها. ويبدو ان الأمور المالية تساهم في اطاحة مشروع الحزام الاخضر، إذ ان حصة أمانة بغداد من موازنة العاصمة للعام 2010 هي 325 بليون دينار، خصّص منها 6.5 بليون دينار للنهوض بالواقع الزراعي في بغداد. وإذا قررت الأمانة الشروع بتنفيذ الحزام الأخضر، فإن الموازنة بأكملها قد لا تكفي لسد حاجات هذا المشروع. وفي سياق متصل، ما زالت المشاريع التي تموّلها الحكومات العربية لدعم البيئة، حبيسة الأوراق. وقد وقّع العراق والجامعة العربية أخيراً اتفاقية لحماية البيئة، سبق ان وقّع عليها الأردن وسورية ولبنان وعمان واليمن والمغرب. وعلى رغم ان المشروع يهدف الى مواجهة مشكلات البيئة عربياً وعراقياً، والتي تمتد تأثيراتها إلى الدول العربية المجاورة، الا أن الاتفاقية لا تدخل حيز التنفيذ ما لم تصدّق من قبل الأطراف التي وقّعتها. وبين ضآلة التركيز على مشاريع معالجة التلوث البيئي، وضعف الاداء الحكومي في مكافحته، يرى الباحثون ان بيئة العراق ستدخل منعطفاً خطيراً في غضون السنوات الخمس المقبلة. ويؤكد شيروان سعيد الباحث البيئي في مركز البحوث البيئية في بغداد، ان البيئة المحلية تعرضت لتغيرات كبيرة يصعب اصلاحها، من دون خطة متكاملة ودعم حكومي كبير. وفي لقاء مع «الحياة»، قال سعيد ان الوضع البيئي خرج عن السيطرة، وبات في حاجة الى تدخل دولي لأن متغيرات البيئة حدثت في شكل سريع ومتلاحق، من دون ان تسلط عليها الاضواء. فقد زحف التصحّر في شكل سريع في جنوب البلاد، ثم سار الى وسطها، نتيجة جفاف الانهار وانقطاع الدعم الحكومي عن القطاع الزراعي.