يلمس كل من يضطر الى التجول في شوارع بغداد فجراً اتجاهاً أمنياً كان مفقوداً قبل شهور. وبالإضافة الى جدية نسبية في التفتيش خلال عشرات من نقاط التفتيش حصل تطور مهم كما يبدو في طريقة استخدام الجنود أجهزة الكشف عن المتفجرات لكن الأجهزة نفسها لم تثبت كفاءة في الاستخدام بحسب إعلان بريطاني أمس. وكانت الحكومة البريطانية كشفت عن أن صفقة احتيال قادت الى تزويد العراق بآلاف من أجهزة كشف المتفجرات غير صالحة للعمل من نوع (ايه دي اي 651). وأعلنت الشرطة البريطانية اعتقال رجل الأعمال البريطاني جيم ماكورنيك (53 سنة) مدير شركة «ايه تي اس سي» البريطانية المسؤول عن هذه الصفقة. وأصدرت الحكومة البريطانية قراراً منعت بموجبه تصدير منتجات الشركة من أجهزة كشف القنابل (ايه دي اي 651)، التي اشترى العراق كميات كبيرة منها لاستخدامها في حواجز التفتيش الأمنية التي يقيمها. وأبلغ مسؤول أمني عراقي «الحياة» أن نحو 54 مليون دولار صُرفت حتى الآن لاستيراد تلك الأجهزة وأن مبالغ وجهود أخرى صرفت لتدريب عناصر الشرطة والجيش على استخدامها. وقال المسؤول إن تحقيقاً فتح لمعرفة سبب إخفاق أجهزة كشف المتفجرات قبل شهور وهناك إجماع على متابعة القضية ومحاسبة المسؤولين عن استيراد هذه الأجهزة. وتجولت «الحياة» فجر الجمعة الماضي من الساعة الخامسة فجراً حتى الساعة الثامنة صباحاً (الفترة التي تؤكد الأجهزة الأمنية انها الأكثر احتمالاً لتسريب الأسلحة والمتفجرات) في عديد من أحياء بغداد لمراقبة طبيعة عمل نقاط التفتيش وأسلوب استخدام أجهزة كشف المتفجرات. وبالقرب من منطقتي «الفضل» و «أبو سيفين»، وهما من بين أكثر الأحياء اضطراباً وسط بغداد، كانت قوات من الجيش العراقي منتشرة بشكل مكثف ويمكن ملاحظة وجود رتب كبيرة بين ضباطها لمراقبة كل حركة. وعند الخامسة فجراً ومع إنهاء حظر التجول المسائي كان ضابط برتبة رائد يفتش بنفسه السيارات المارة برفقة عدد من جنوده في نقطة قرب حي الوزيرية شمال بغداد، وقال عن حالة الصحوة في طبيعة أداء قواته «لن نسمح بحدوث تفجيرات جديدة... اجمع الكل أن المشكلة كانت في عجز نقاط التفتيش عن ضبط تسريب المتفجرات ونحن نحاول معالجة هذه المشكلة». وبالقرب من حي البياع جنوب بغداد كان شرطي محترف يستخدم جهاز كشف المتفجرات وقد لبس بيده قفازات خاصة لهذا الغرض قال: «قبل شهرين أو ثلاثة كان زملاؤنا يستخدمون أجهزة كشف المتفجرات في شكل خاطئ خصوصاً في أسلوب تشغيل الجهاز وضرورة لبس القفازات خلال استخدامه». لكن الملازم علي جابر ضابط الدورية أكد أن «الإرهابيين ما زالوا قادرين على مراوغة جميع إجراءاتنا ونحن نلجأ الى تفتيش دقيق للسيارات التي يؤشر الجهاز الى وجود متفجرات فيها فنكتشف في أحيان كثيرة أن الجهاز يؤشر لعطور أو أدوية يحملها الركاب، وهذه الهفوة قد تسمح للإرهابيين بتسريب المتفجرات عبر أماكن مخفية داخل السيارة لا يصلها التفتيش اليدوي». وكانت بغداد التي شهدت سلسلة هجمات دامية أواخر العام الماضي وجهت أصابع الاتهام الى الاجهزة الأمنية التي سمح أسلوب تفتيشها غير المحترف في مساعدة الإرهابيين على الحركة. ودافع وزير الداخلية العراقي جواد البولاني عن أجهزة كشف المتفجرات التي تعرضت للانتقادات، وقال في حوار مع مجموعة من الصحافيين عبر تلفزيون العراقية إن تلك «الأجهزة تعمل بحسب الاستخدام الاحترافي لها وانها مستخدمة في 60 دولة عبر العالم». وكانت الداخلية العراقية أكدت ل «الحياة» انها نظمت دورات مكثفة حول استخدام تلك الأجهزة ويمكن ملاحظة تغيير في طريقة وأسلوب استخدامها في نقاط التفتيش. لواء بغداد المدرب بشكل جيد والمعروف بكونه مسؤول عن حماية المنطقة الخضراء شوهد فجر الجمعة على حدود بغداد الشرقية بالقرب من منطقة الشعب، ولم يكشف ضابط كبير في اللواء عن أسباب هذا التحرك، لكن عدداً من الجنود يؤكدون انهم يكلفون بمهمات خاصة لإجراء اعتقالات أو حماية المدينة عند ورود معلومات عن تسرب إرهابيين. الضابط الذي رفض الكشف عن اسمه قال إن اللواء يتلقى بشكل يومي عشرات التحذيرات من هجمات أمنية غالباً ما يكتشف عدم صحتها، ما يعرضنا الى الإنهاك في التحركات الاستباقية. وبالقرب من اللواء المتوقف على جانب الطريق في منطقة الشعب كانت دورية ثابتة للشرطة العراقية تفتش جميع السيارات المارة من دون استثناء. ويعلق السائق الذي رافق «الحياة» في جولتها «نتأخر كثيراً في نقاط التفتيش، لكننا نفرح حين يتم تفتيش السيارات بشكل جاد، ونشعر بالمقابل بالإحباط حين نصل الى نقطة التفتيش فيؤشر الشرطي للجميع بالمرور ونتساءل لماذا كل هذا التأخير إذن»؟ السيارة التي تجولت بنا في مناطق مختلفة من بغداد مرت عبر أكثر من 30 نقطة تفتيش وتعرضت الى التفتيش الإلكتروني في 13 نقطة أشرت خمس أجهزة من بينها الى وجود متفجرات في السيارة وتم تفتيشها يدوياً وتبين أن المؤشر كان يدل الى عطر يضعه الراكب فيما اكتفت بقية نقاط التفتيش بسؤال السائق عن المكان الذي جاء منه والمكان الذي سيذهب إليه من دون إخضاع السيارة الى التفتيش. وعلى رغم أن نسبة عدم تفتيش السيارة بجهاز الكشف عن المتفجرات كان كبيراً إلا انه بحسب مختصين في مجال الأمن أفضل من شهور سابقة وإن كان التفتيش في النهاية غير منتج. عزيز جبار الشرطي في نقطة تفتيش في منطقة الجادرية أكد أن استخدام الكلاب البوليسية المدربة خصوصاً في نقاط التفتيش حول العاصمة وفي المناطق المضطربة أمنياً أكثر فائدة من الأجهزة المشكوك في كفاءتها. وقال: «لم نضبط أية سيارة عبر هذا الجهاز على رغم أننا نقوم بواجبنا على أتم وجه». وأضاف زميله مهند الطائي «نتعرض يومياً الى سخرية الركاب وأصحاب السيارات لأننا نكتشف أن الجهاز يشير الى أطعمة أو عطور وأحياناً أدوية كما نتعرض أيضاً الى اتهامات من ضباطنا بعدم جدية التفتيش وجهلنا في استخدام الأجهزة وأحياناً نتهم بتسهيل مهمة الإرهابيين فماذا يمكن أن نعمل أكثر مما نقوم به على امتداد 24 ساعة يومياً». الجهود الضائعة في نقاط التفتيش ومعاناة رجال الشرطة والجيش المستمرة واليومية تدفع باتجاه الإشفاق على هؤلاء الشباب الذين يؤكدون انهم لم يقصروا بواجباتهم، فيما أن المسؤولين الحقيقيين عن إضاعة جهود نحو 50 ألف عنصر أمني منتشرين في جميع شوارع بغداد ما زالوا بعيدين عن المساءلة بحسب الجنود أنفسهم».