وقّع لبنان ستة اتفاقات تعاون مع فرنسا في اليوم الثاني لزيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على رأس وفد وزاري لباريس. وإذ أكد الحريري التزامه «الحفاظ على الاستقرار والتهدئة والديموقراطية في لبنان»، نبه الى «ان مناخ الاستقرار لا يعتمد على الوضع الداخلي فحسب بل على الأجواء المحيطة ايضاً». وأجرى الحريري محادثات مع نظيره الفرنسي فرنسوا فيون وعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً، وصف خلاله الحريري المحادثات الثنائية ب «الممتازة» والعلاقات بين البلدين ب «التاريخية»، في حين جدد فيون «دعم فرنسا الكامل للحكومة اللبنانية، وقال ان الحريري «يمكن أن يتّكل على دعم فرنسا لسلامة الأراضي اللبنانية من خلال تعزيز التعاون في ما بيننا». وأوضح الحريري أنه أعرب عن «التزام الحكومة اللبنانية التنفيذ الكامل للقرار 1701، والتزام لبنان مسار الإصلاح الإداري والاقتصادي والاجتماعي، الذي هو موضع اتفاق وتوافق داخل حكومة الوحدة الوطنية التي تضمّ سائر الأحزاب والكتل السياسية، على رغم أن جهود هذا الإصلاح واجهت بعض العوائق». وقال: «أنا أشكر الرئيس الفرنسي على مساهمة فرنسا في القوات الدولية العاملة في الجنوب، والتي تشكّل عاملاً أساسياً في حسن تنفيذ القرار 1701، ولهذه الغاية ننوي أن نعزز جيشنا، ونأمل بأن تضطلع فرنسا بدور أساسي في هذه الجهود»، مشيراً الى انه أثار مع فيون «مسألة وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية اليومية لهذا القرار والتصعيد ضد لبنان وحكومته». وأعلن الحريري أنه «أطلع فيون على زيارته سورية التي جاءت في إطار التحرك العربي الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز»، مشيراً إلى أن «فرنسا تتابع تطور العلاقات بين لبنان وسورية على أساس احترام سيادة واستقرار كلا البلدين». وأضاف: «بدأنا بزيارة سورية بعد سنوات من العلاقات المتوترة، وإعادة بناء هذه العلاقات ستستغرق بعض الوقت لحل مشاكل كل بلد»، مؤكداً أن «المشاكل لا تحل دفعة واحدة وإلا نكون مخطئين، فأنا أرى أن الأمر يستغرق وقتاً وحواراً معمّقاً بمساعدة الأصدقاء مثل فرنسا وغيرها من الدول. خطونا الخطوة الأولى وفتحنا هذه الطريق لتصحيح العلاقات، وبرأيي فإن سورية بدورها أبدت إيجابية كبيرة، ولا بد من أن نبني على هذه المعطيات، فالوضع إيجابي بالنسبة إلى لبنان وسورية ولكن علينا أن نخطو ببطء، وسنتمكّن من النجاح كلّنا حفاظاً على مصلحة سورية ولبنان والشعبين السوري واللبناني ومصلحة المنطقة، وفي نهاية المطاف نحن نرسّم الحدود مع سورية، ليس لنبني الجدران الفاصلة بين البلدين، بل من أجل فتح الحدود وذلك لدوافع اقتصادية تفيد الشعبين». الحريري: العرب قالوا كلمتهم وقال الحريري انه تحدث الى فيون عن «رفض إسرائيل التقدم في عملية السلام ولا سيما مع الفلسطينيين»، معتبراً أن «مسار السلام يشكّل العامل الأساس للاستقرار في المنطقة، ولبنان عضو في مجلس الأمن وموقفه يعكس رأي الدول العربية كذلك»، مذكّراً في هذا السياق بأن «فرنسا لطالما التزمت التكلّم مع إسرائيل والطلب منها عدم القيام بتحركات تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة»، ولفت إلى أن «مبادرة السلام العربية واضحة قال فيها العرب كلمتهم: نحن نريد سلاماً يعيد للعرب أرضهم في شبعا والغجر والجولان، ونريد أن يرعى هذا السلام دولةً للفلسطينيين، ونريد السلام بحيث يتمكّن اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والدول العربية من العودة إلى بلادهم». وأضاف قائلاً: «فرنسا تعمل بكلّ جدية على موضوع السلام، والرئيس ساركوزي يعمل على عقد مؤتمر للسلام في فرنسا، فالجميع يتحدث عن السلام وأعتقد أن الجميع له مصلحة فيه، وبرأيي الطرف الوحيد الذي لا مصلحة له في السلام هم المتطرفون، لذلك علينا أن نمدّ يدنا إلى فرنسا ونرصّ صفوفنا كي يضطلع كل منّا بدوره في المنطقة». وأكد الحريري «أن هناك تحركاً في إطار عملية السلام، فالمبعوث الأميركي جورج ميتشيل ومستشار الأمن القومي جيمس جونز ناقشا عملية السلام والجميع يجب ان يعمل لحصولها»، آملاً بأن «يحمل ميتشيل نقاطاً ملموسة لعملية السلام وسنرى ما سيحصل»، وقال ان «ميتشيل خرج بإعلان مهم من لبنان برفض توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وهذا موقف جديد من الولاياتالمتحدة وإيجابي جداً، ولا يجب ان نرى فيها مواقف عابرة». واكد فيون «استمرار دعم لبنان في المجال المالي، والالتزام الفرنسي مقررات الدول المانحة في عام 2007، كما أنها تريد المشاركة في دعم الجيش اللبناني». ولفت إلى أن «فرنسا تشدد على ضرورة الالتزام بالقرار 1701 من الجانبين الإسرائيلي واللبناني، خصوصاً أن قوات «يونيفيل» تشكل عامل استقرار في المنطقة»، مشيراً إلى أنه أعرب عن «دعم فرنسا المحكمة الخاصة بلبنان، ودعمها للعدالة وعدم إفلات المجرمين من العقاب». وأكد فيون أنه «يمكن لبنان أن يساهم في عملية السلام، أما تطبيع العلاقات بين سورية ولبنان فهو يشكّل من دون شك عامل استقرار، لا سيما على صعيد ترسيم الحدود وملف المفقودين»، مشدداً على أن «لبنان دولة حرة ومستقلة لا بد من أن يحترمها سائر جيرانها، وللبنان الحق بالعيش بسلام وازدهار». وأوضح فيون أن «فرنسا تسعى إلى احترام الحقوق اللبنانية كي تتمكن الحكومة اللبنانية من القيام بعملها، وأطلقت باريس من هذا المنطلق حواراً مع سورية، ما سمح لهذه الأخيرة بالاضطلاع بدور بنّاء في المنطقة». وأضاف: «العلاقة بين سورية ولبنان هي حدث أساسي نحن نعطيه الدعم، وأعربتُ للرئيس الحريري عن الانطباع الجيد الذي حصلتُ عليه في لبنان، خصوصاً أن لبنان انضمّ أخيراً إلى مجلس الأمن، وهذا يرتب عليه مسؤولية كبيرة، وأثرنا رغبتنا بالتنسيق، فللبنان دور أساسي لتنمية المنطقة والاستقرار فيها، ويجب أن يُسمع صوت لبنان بحرية لكي يستمر في إعادة الإعمار والتنمية، وفرنسا ستكون إلى جانبه طوال هذا المسار، ويجب أن تلتزم الحكومة اللبنانية الإصلاحات التي وقّعت عليها». لقاء كوشنير والتقى الحريري وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في حضور نظيره اللبناني علي الشامي والسفير اللبناني لدى فرنسا بطرس عساكر والسفير الفرنسي لدى لبنان دوني بيتون ومدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية باتريس باولي ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري والمستشارين محمد شطح وبازيل يارد. وأوضح كوشنير بعد اللقاء ان «البحث تطرق الى مشكلات منطقة الشرق الأوسط، والأطر السياسية التي ستندرج ضمنها المحادثات في سلبياتها وإيجابياتها، إضافة الى الجولة التي قام بها السيناتور ميتشل، والعلاقات مع سورية والمحادثات التي يمكن ان تحصل بين سورية واسرائيل، في وقت ليس ببعيد، لم لا، ودور تركيا ومصر». وأضاف كوشنير: «ما هو مهم بالنسبة الينا، اضافة الى مواضيع أخرى، هو إنشاء الدولة الفلسطينية وهو أمر نأمل في أن يحصل على رغم ان الأمور لا تزال عالقة، الا ان هناك حركة يقوم بها السيناتور ميتشيل الذي زار عدداً من الدول الأوروبية ولبنان، كما ان رئيس الوزراء الفلسطيني سيزور فرنسا في 26 الجاري وسيعقد لقاءات مع عدد من المسؤولين، يليها مؤتمر باريس الذي سيشارك فيه السيدان بلير وستورو والسيدة اشتون، ومن الممكن ايضاً مشاركة وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط، إذاً، نحن أمام تصور ايجابي للمحادثات». ووصف كوشنير تعامل الإسرائيليين في شأن الانسحاب من قرية الغجر المحتلة ب «الإيجابية مرتين لغاية الآن، الا ان المشكلة لا تزال في ترجمة الأمر، والمرة الأخيرة جاء التصريح الإيجابي من ايهود باراك وأعتقد انه سيلتزم بكلمته، وكان لفرنسا دور في هذا الإطار». وعن رؤيته العلاقات الحالية بين سورية ولبنان، قال كوشنير: «لم يتم إنجاز الأمر بعد، الا اننا مسرورون لأننا استطعنا المساهمة به ولو قليلاً من خلال الدور الذي اضطلعنا به مع سورية، كما ان هناك تبادلاً للسفراء بين البلدين ولهذا الأمر رمزية كبيرة، والآن هناك مسائل أخرى تتعلق بالحدود، ولكن أعتقد ان العلاقات تسير بشكل ايجابي جداً». وسألت «الحياة» عن الملف الإيراني وعما اذا تطرقت محادثاته مع الحريري لهذا الأمر، فقال: «بالطبع تطرقنا الى الملف الإيراني، الا ان تحليلاتنا ليست متطابقة بشكل كامل وهذا امر طبيعي، وأعتقد انه علينا ان نستمر في الحوار مع ايران ولكن يجب الأخذ في الاعتبار ان اقل المتحاورين مع الحكومة الإيرانية هي المعارضة الإيرانية فهي موجودة وقوية. وفي ما يتعلق بسورية، لطالما قلنا لأصدقائنا السوريين، انه يجب عليهم متابعة التطورات التي تحصل في ايران. طبعاً لست في إطار التدخل في وضع الحكومة او خطاب المعارضة الإيرانية، فالأمر ظاهر للعيان فهناك قوة ايرانية تعارض ليس الخط الديني للحكومة بل تسلك مساراً شيعياً مختلفاً». وسألت «الحياة»: قلتم ان التحليلات ليست متطابقة مع لبنان، فهل تنتظرون من لبنان ان يقوم بأمر معين في مجلس الأمن في هذا الإطار، أجاب: «نحن ننتظر ان تبدأ فترة تولي لبنان هذا المنصب وهو أمر جيد، وفي مجلس الأمن نحن نعمل بالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى على التوصل الى فرض عقوبات، ولكننا لا نود ان نكرر العقوبات الاقتصادية، بل الاستمرار في الحوار الذي لم ينقطع يوماً مع الإيرانيين، وما نقوم به هو مسار مزدوج». وعما اذا كان البحث تطرق الى المخاوف التي يبديها الحريري إزاء التهديدات الإسرائيلية بشن عدوان على لبنان، أكد الأمر وأمل ان يبقى الأمر محصوراً في إطار التهديدات، ولا نرى عملاً إسرائيلياً في هذا الإطار الآن، واقول بشكل بسيط وواضح ان الوضع في ايران قد يؤدي الى تحركات للهروب الى الأمام من قبل مسؤولين الإيرانيين، وهذا امر خطير لأن «حزب الله» يملك السلاح وقد تحصل بعض الأحداث التي قد تكون مؤسفة للغاية ومدانة». وعما اذا طلب الحريري من فرنسا ضمانات معينة لمنع اسرائيل من شن عدوان على لبنان، أكد «ان الضمانات الإسرائيلية تعطيها اسرائيل، وسنثير معهم هذا الموضوع». وسألت «الحياة» عما اذا كانت فرنسا ستقدم مشروع فرض العقوبات على ايران خلال الشهر المقبل، اكتفى كوشنير بالقول: «لم يحدد احد الشهر المقبل موعداً لتقديم المشروع، ولم يقل احد ان هذا الأمر سيتم في شباط المقبل، قد يحدث ذلك في الأشهر المقبلة، وهو ليس مشروعاً فرنسياً انما هو مشروع تقدمت به الدول الخمس الأخرى في مجلس الأمن إضافة الى المانيا، ونحن نعمل جميعاً على هذا الموضوع». وعن رد الرئيس الحريري إزاء التخوف الفرنسي من تحركات معينة ل «حزب الله»، قال ل «الحياة»: «أنا تكلمت عن خطوات للهروب الى الأمام، وهذه مخاوف لا يمكننا التغاضي عنها، وأكثر ما نريده هو الا تحصل اية مواجهات، ولا اي حرب ولا تحدث اية أضرار. نحن نريد العمل لإرساء السلام لذا، أقول اننا نستمر في الحوار مع ايران». السلك الديبلوماسي العربي والتقى الحريري لاحقاً السفراء العرب المعتمدين في فرنسا في حضور الوفد الوزاري والرسمي المرافق، وشمل الحضور سفراء سورية (لمياء شكور) والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن (عميدة السلك الديبلوماسي دنيا قعوار) والكويت واليمن والمغرب والجزائر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وعبّرت السفيرة شكور عن ارتياح سورية الى زيارة الرئيس الحريري دمشق وقالت انها تتمنى ان يزور الرئيس بشار الأسد لبنان. وعرض الحريري الوضع في لبنان بعد تأليف حكومة الوحدة الوطنية، والمستجدات الإقليمية والدولية.وعلمت «الحياة» من مصادر مطلعة ان الحريري ركز على المصالحة العربية - العربية وعلى حكومة الوحدة الوطنية في لبنان، مشدداً على أهمية المصالحة لا سيما بين سورية والمملكة العربية السعودية، كما أعرب عن ارتياحه الى العلاقات السورية - اللبنانية وتمنى ان يتخطى البيت العربي كل خلافاته، مشيراً الى ان تعسف اسرائيل لا يمكن ان يؤثر في وحدة لبنان». وسئل الحريري عن رأيه بالملف الإيراني، فقال: «بالنسبة الى مجموعة 5 + 1 لم يتم اي تقدم بعد»، مؤكداً في الوقت نفسه انه يؤيد النووي «لغايات مدنية».