الجشع يلهب أسعار السلع الاستهلاكية في الأسواق المحلية وسط تصاعد القلق في أوساط المستهلكين بعضهم عزاها إلى الاستغلال وسوء الإدارة والتخطيط الجشع يلهب أسعار السلع الاستهلاكية في الأسواق المحلية وسط تصاعد القلق في أوساط المستهلكين يعيش السعوديون على هاجس استمرار ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية خصوصا في ظل الاختلافات السعرية الواضحة بين المراكز التجارية، مما أثار سخطا كبيرا لدى المواطنين، الذين اعتبروا الزيادة والتباين في الأسعار غير مبررة وغير منطقية، في حين عزاها بعضهم إلى الاستغلال وسوء الإدارة والتخطيط. والمجتمع السعودي الذي تفاعل بجميع فئاته، وبصورة لم يسبق لها مثيل مع القرارات الملكية التي صدرت مؤخراً، فوجئ بقرارات زيادة في معظم السلع الضرورية والكمالية، حيث شهدت أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية في الأسواق المحلية ارتفاعا كبيرا وتبايناً سعرياً مفاجئا. والقرارات التي شملت حل قضايا، ظلّ المواطنون يعانون منها زمناً طويلاً، كأزمات البطالة والإسكان واستشراء الفساد في بعض القطاعات الخدمية، وجاءت الحلول تجاهها قاطعة وجذرية، شملت أيضاً زيادة رواتب العاملين في الدولة وصرف راتب شهرين لهم، ووضع حد أدنى للأجور، بحيث لا يقل أجر العامل عن 3 آلاف ريال، في حين تجاوبَ القطاع الخاص مع توجيه خادم الحرمين الشريفين، فقامت كثير من الشركات والمؤسسات بتنفيذ ما اشتملت عليه القرارات من زيادةٍ وصرفٍ وتحديد للأجر. وزيادة الأسعار تدور مرتفعة في حلقة مفرغة ويدفع بعضها بعضاً، فزيادة الأسمنت والحديد ومواد البناء تزيد من إيجارات المساكن والمحلات التي يزيد أصحابها أسعار بضائعهم لتغطي الفرق، وتقع تبعاتها على كاهل أصحاب خدمات أخرى يضطرون إلى رفع أسعار ما يقدمون من خدمة، وهكذا تتسع هذه الدائرة لتشمل كل شيء ولكنها تضيق على خناق المواطن والمقيم. وكشفت جولة ميدانية قامت بها "الرياض"، عن وجود اختلافات سعرية واضحة بين المراكز التجارية، خاصة في أسعار السلع الغذائية، حيث يلاحظ عند مقارنة الأسعار في فاتورة الشراء بين مركز وآخر وجود فوارق سعرية تصل إلى 10 في المائة للمنتج الواحد. ولم يستغرب مستهلكون التقتهم "الرياض"، هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار، بسبب تعودهم في كل مناسبة أو زيادة في مرتبات الموظفين، أن يقوم بعض التجار المتلاعبين بالأسعار برفع بضائعهم، وحتى في شهر رمضان مثلاً تجد أن مواد غذائية معينة يقبل عليها المواطنون في هذا الشهر ترتفع أسعارها بشكل مبالغ فيه، وهذا الاستغلال للمواطنين تصرف غير مقبول مطلقاً على أي صعيد. وإلى وقت قريب، كان الترقب هو سيد الموقف في أوساط المستهلكين لبدء موجة الانخفاضات المتوقعة في أسعار السلع التموينية، بعد أن سيطرت النذر التشاؤمية على الأسواق العالمية بسبب الأزمة الاقتصادية وتأثر كثير من الأسواق بما فيها السوق السعودي. وأثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال الأعوام الأخيرة قلقا متزايدا لدى المستهلكين خصوصا الطبقات المتوسطة التي بدأت تشكو من أوضاعها المعيشية، في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات بين أوساط المواطنين بضرورة تحرك الجهات ذات العلاقة لمكافحة الارتفاع الجنوني وخصوصاً في أسعار المواد الاستهلاكية. عبدالعزيز الملحم (قطاع خاص) يقول: "حصلنا على كل ما حصل عليه زملاؤنا في القطاع الحكومي، ولكن نتمنى أن نجد من الجهات المعنية بمراقبة الأسعار القيام بواجبهم للتصدي للمتلاعبين بأقوات الناس". ويقول الملحم إن صرف مرتبي شهرين للعاملين في الدولة وشريحة من العاملين في القطاع الخاص، والزيادة الكبيرة في أسعار السلع التي أعقبتها بيّنا للجميع مدى ما تعانيه أجهزة الرقابة الحكومية من ضعف، فهي نفسها تحتاج إلى رقابة حتى تؤدي الدور المنوط به، وهو دور مهم يجب أن تقوم به حتى لا تصبح قرارات مهمة وحيوية في حياة المواطنين كأنها لم تكن. ويؤيد هذا الطرح سلمان الشهري الذي يضيف عليه: "إنها أزمة مجتمعية حقيقية، فهذه الفئة من التجار لم يعد ينفع معها كل النداءات التي وجهت إليها، والحل في نظري، قرارات حاسمة ورادعة من الجهات المسؤولة بإغلاق محلاتهم لفترات طويلة نسبياً، والتشهير بهم في كل الصحف وإلزامهم بدفع تكاليفها، ووضع قائمة لأسعار السلع الغذائية الرئيسة في متناول المواطنين بكل الوسائل المتاحة، عن طريق رسائل SMS مثلاً، مع تفعيل الاتصال مع المواطنين لتلقي شكاواهم بسهولة والاستجابة الفورية لها. أما المواطن عبدالله الحربي الذي يعمل في القطاع الخاص أيضاً فيقول: "في شركتنا لم نحصل على ما حصل عليه زملاؤنا في القطاع العام وبعض منسوبي القطاع الخاص، لذا فإن ما حصل علينا من زيادة في الأسعار بعد القرارات، كان وقعه علينا وعلى أسرنا أكبر، وحماية المستهلك لا تحمي احداً، وأناشد وزارة التجارة أن تتدخل لضبط هذه الأسعار التي أفلتت من يد الرقيب". وكانت وزارة التجارة قد أطلقت الشهر الماضي خدمة نشر أسعار عدد من السلع التموينية الأساسية في عدد من المراكز التجارية في 20 محافظة بالإضافة إلى 7 مدن رئيسية يتم فيها نشر أسعار تلك المواد بصفة يومية، حيث يستطيع المواطن مقارنة الأسعار في فاتورة الشراء بالأسعار على شاشات الأسعار في تلك المراكز. والمواطنون الذين قالوا إنهم سئموا الوعود بحل المشكلة، أفادوا بأنهم لم يلحظوا أي شاشات تبيّن أسعار السلع التموينية الرئيسية في المراكز التجارية التي يرتادونها، وأن الحال هي الحال، وأن الأسعار تتصاعد. ويؤكد المواطن منصور العمري أن زيادة الأسعار الفجائية التي صاحبت زيادة السيولة في أيدي المواطنين هي أيضاً تختلف في حجمها بين تلك المراكز التجارية، ما يدل على أن العملية كلها ارتجالية وتخضع للأمزجة، وليس لزيادة تفرضها ظروف السلعة وتقلبات الأسعار العالمية. ولكن وزارة التجارة تقول إن جانباً من ارتفاع الأسعار في السوق المحلي يعود الى ارتفاعها في بلد المنشأ، والوزارة تراقب أوضاعها بدقة، وأن المملكة من الأسواق الحرة، والمراقبة من أهم الأمور في مثل هذه الأسواق، وأن قضية الرقابة التي يشكو المواطنون من عدم فاعليتها ستفعل بعد الدعم الذي لقيته الوزارة من قبل خادم الحرمين الشريفين والقاضي بتزويدها ب 500 مراقب، مع منحها حق التشهير بالمتلاعبين. ويرى مراقبون اقتصاديون، أن من شأن قرار استحداث 500 وظيفة لوزارة التجارة والصناعة أن يقضي على تلاعب هؤلاء التجار متى ما استصحبت معه الوزارة القوانين والآليات التنفيذية التي تنظم عملية المراقبة على أرض الواقع. وجمعية حماية المستهلك من جانبها تؤكد أن ليس من حق أي جهة زيادة السلع المتداولة بين المواطنين والمقيمين بشكل كبير إلا بعد الرجوع إلى وزارة التجارة والصناعة وذلك بهدف إبداء الأسباب والمبررات لهذه الزيادة والاتفاق على نسبتها إن كانت المبررات منطقية، ومواعيد البدء في تنفيذها في الأسواق المحلية، مع ضرورة وقف هذه الزيادة متى زالت المبررات الداعية لها. وتقول إنها تقوم بواجبها حسب الإمكانات المادية البشرية المتاحة لها، والقرار الملكي بزيادة 500 مراقب سيحقق المعادلة المطلوبة. ويطالب المستهلكون وزارة التجارة بمراقبة الأسواق لحماية المستهلكين من التلاعب في الأسعار، الذي شمل فيما شمل سلعاً استهلاكية أساسية أهمها السلع الغذائية، من دون وجود مبررات واقعية لهذه الزيادات. وفي وقت سابق من هذا الشهر، طالب رئيس الغرف التجارية في المملكة صالح كامل أن تتخذ الوزارة أشد الأساليب ردعاً من أجل وقف ممارسات هؤلاء المتلاعبين في أقوات الناس بفرض الغرامات والتشهير وإغلاق المحلات. ودافع أصحاب ومسئولو المراكز التجارية عن ما ألصق بهم من تهم الجشع والانتهازية والتلاعب وحتى اتهامهم بعدم الوطنية. وأكدوا أن المواطنين يفعلون ذلك ولو كانت الزيادة بفعل تأثير ارتفاع الأسعار عالمياً، ولكنهم أقروا بأن هناك فئة قليلة من الجشعين الذين ينتهزون الفرص لاستغلال مثل هذه المناسبات. ويفند هذا القول المواطن منصور المطلق موضحاً أن المواطنين واعون ويتابعون ما يرتفع من مواد عالمياً وما يرتفع من غير أسباب محلياً. ويتابع: "أن تزيد أسعار المواد جميعها في يوم أو يومين عقب زيادة المرتبات وصرف راتبي شهرين للموظفين ويأتي من يحاول اقناعنا بأنها بفعل أزمة الغذاء العالمية، فذلك ما يدعو إلى ما يتجاوز العجب". ويرى المواطن فهد الصيعري أن أكثر ما يؤثر في الأسر السعودية في هذا الارتفاع للأسعار هو الزيادة في سلعتي الأرز والدجاج، ويكادان يمثلان الوجبة الرئيسة للكثيرين، "فإن كنا تحملنا أعباء الزيادة في الأرز بسبب الكثير من المشاكل التي حدثت في أماكن زراعته وتفهمنا هذا السبب، فكيف نفسر زيادة أسعار الدجاج المنتج محلياً وانخفاضها عالمياً، فلقد زاد سعر الدجاج المحلي فجأة بين ريال الى ريالين في جميع الأحجام، فسعر الدجاجة حجم 1000 جم ارتفع من 12 ريالاً إلى 14 ريالاً، وحجم 700 جم من 10 الى 11 وبعضها الى 12". وتأتي الارتفاعات في أسعار السلع الاستهلاكية مغايرة لنتائج بعض التقارير الاقتصادية الأخيرة، حيث أظهر تقرير اقتصادي أن التضخم في السعودية مرشح للانخفاض خلال الأشهر الأولى من عام 2011، وذلك بسبب بروز تراجع في حدة العوامل الرئيسية المؤثرة فيه، التي من أبرزها: الإيجارات والمساكن، والأغذية والمشروبات، التي سلكت طريق التصحيح خلال الفترة الماضية. وأوضح التقرير الصادر من ''الراجحي المالية''، أن عوامل التراجع أكدها صندوق النقد الدولي، الذي توقع أخيراً حصول انخفاض في أسعار السلع العالمية خلال عام 2011، التي منها المواد الغذائية والمشروبات (بنسبة 3 في المائة)، بعد أن بلغ (7 في المائة) في 2010. واعتبر التقرير أن التوقعات الإيجابية لمعدلات التضخم في النظم الاقتصادية المتقدمة إلى جانب الإجراءات المتخذة في هذه الدول في مجال السياسة الرامية للسيطرة على معدلات التضخم ينبغي أن يكون لها تأثير في اعتدال مستويات التضخم في عام 2011. يذكر أن الارتفاع في مؤشر تكاليف المعيشة سجل تراجعا طفيفا من 5.9 في المائة في أيلول (سبتمبر) 2010 إلى 5.8 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) بسبب الانخفاض الطفيف في فئة الإيجار كما كان متوقعاً. ومع ذلك، فقد سجلت أسعار فئة المواد الغذائية والمشروبات ارتفاعاً وصل إلى 8.3 في المائة مقارنة بنسبة 7.5 في المائة التي كانت عليها في الشهر السابق، كما ارتفعت أسعار فئة الخدمات الأخرى في هذا الشهر بنسبة 8.9 في المائة مقارنة بنسبة 7.9 في المائة التي كانت عليها في الشهر السابق. ولكن هذه الارتفاعات قد خفف من أثرها الانخفاض الحاد في فئة الأثاث المنزلي بنسبة 0.4 في المائة مقابل الارتفاع بنسبة 4.3 في المائة في أيلول (سبتمبر) من العام. الرياض - بادي البدراني وعبدالكريم الدريبي