لا يخفى على الجميع ما للتعليم من دور إيجابي في رقي المجتمعات وما يقوم به المعلم من تأثيرات تربوية وتعليمية وأيضا سلوكية بشكل مباشر ، ولا بد من سير هذه الثلاثة أركان بخطوط متوازية لإخراج أو اكتشاف عقلية طالب ذات توجه إيجابي وسلوك نموذجي ، ومتى ما حدث هناك أي خلل في العملية التعليمية : فإن هناك خلل ينعكس ويتم ملاحظته داخل المجتمع في جوانب التوجهات والسلوكيات إذا ما عرفنا وعبر التاريخ البشري بأن كفاءة الامم تقاس بكفاءة قدراتها وبنيتها التعليمية وتنحدر بشكل عكسي إلى مستنقعات قاتلة عندما ينحدر التعليم ومؤسساته التربوية . لو أخذنا مثالاً من جنوب المملكة العربية السعودية وتحديدا "القطاع الجبلي في منطقة جازان" نجد أن هناك إلى حد ما غير مقبول سلبية للمعلم والتعليم بشكل كبير بسبب عدة عوامل منها عدم الإلمام الكامل بالثقافة المطلوبة للإمعان كمعلم، وكيف يتم تطبيقها على أرض الواقع بالإضافة إلى العجز عن مواكبة عملية التغيير الانتقالية من مرحلة التعليم التقليدي إلى مرحلة التعليم الحديث من النواحي السلطوية والتخصصية وبعض القوانين الإدارية التي خلقت جو غير صحي "نفسياً" لدى المعلم والتي انعكست بشكل سلبي على أداءه داخل الفصول. هذه المعطيات السابقة التي ذكرت وأقصد السلطة والتخصص وطبيعة سلوك وثقافة الطالب التي لم تستوعب الطريقة المناسبة للسير وفق سلوك جيد وإيجابي في هذه المرحلة الانتقالية أدت إلى ولادة جيل متهالك من الطلاب داخل الفصول وجيش متناقض وسلبي من المعلمين خارجها وداخلها أيضاً بسبب تأثير وتأثُّر كلا منهما على الآخر. كان يجب على المعلم أقلمة نفسه مع كل الظروف وتجاوزها من أجل تأدية رسالته التعليمية مهما كانت حدة وقوة القوانين الجديدة والتيارات المتفاعلة ضده من قبل الطلاب أو من قبل الإدارات ، ولا استوعب في الحقيقة كيف يتحول معلم نشيط إلى مدير أو وكيل أو إداري ، كأنهم يقولون لا نريد المعلمين الجيدين وفي نفس الوقت كأنهم يضعونه في مجال لا ناقة له فيها ولا جمل! وأقصد وظيفة إداري والتي تختلف تماماً عن تخصص المعلم. هناك فلسفة أخرى جديرة بالقراءة وهي وقوع عمليتنا التعليمية بين تيارين متضادين أحدهما ينظر للعملية التعليمية من جانب ديني والآخر ينظر إليها من جانب دنيوي. هذه الفلسفة السابقة خلقت جو غير صحي داخل غرفة المعلمين وانعكست سلبيا على الأداء وكان ضحيتها الطالب في مادتي التوحيد والكيمياء مثلا! وكيف يتم تقييم كل طالب إما من ناحية دينية أو دنيوية في كل منهما انتصارا للتيارات. ولا نستطيع إهمال محرّك التعليم في القطاع ( الإشراف التربوي في محافظة الداير ) عندما نتحدث عن التعليم ، وبأن هناك من لا يعرف جيدا معنى مشرف تربوي وما هي الخبرة التي يجب أن يتحلى بها : فقد تصاب بمناخوليا الغرابة وأنت تشاهد مشرفين تربويين تحت سن ثلاثين عام ! وهنا سابقة تسجل كأولوية لم تحدث سوى في ساحل العاج لمدة عام في معتركات الحرب الأهلية وتفجير أحد المقرّات ووفاة كل المشرفين المخضرمين ، ولا أجد أية إجابة سوى إما أن هناك حرب أهلية أيضاً بطريقة معينة مختلفة عن الحروب التقليدية أو لا يوجد أصلا مخضرمين ، وبالنظر إلى الجملتين السابقتين أقترح التعاقد مع أهم وأفضل كادر تربوي في القطاع كمستشار أو خبير لمركز الإشراف التربوي ليستفيد من خبراته الطويلة المشرفون الشباب وفي نفس الوقت تستفيد الحركة التعليمية من براعته في إدارة دفة التعليم من خلال آراء وخطط قد تتطلبها المرحلة . أقصد الوالد المربي ( حسين أسعد الخالدي ) إذا ما عرفنا أن أفضل وأنجح طلاب القطاع قد تخرجوا وتميزوا تحت إدارته . من جانب آخر قد أجد أن هناك مسؤولية كبيرة يتحملها مدير الإداريين والمشرفين الشباب في الإشراف التربوي ومدراء المدارس المعدودين من الأساتذة والمثقفين المنضوين تحت لواء فريق التعليم في المنطقة بسبب عدم عقد دورات للمعلمين لتثقيفهم أولا وإطلاق العنان للإبداع واكتساب قدرات ومهارات من شأنها ولادة أفكار جديدة وتطوير مستوى المعلم من جانب تربوي وتخصصي: بشرط أن لا تقام هذه الدورات على أيدي معلمين أو إداريين من نفس المنطقة كاملة ، لتجنب تدوير الأفكار وتوجيهها في دائرة مغلقة ، لا أجد سبب منطقي أو عقلي في عدم جلب خبراء ومفكرين ومتخصصين في المجال التعليمي لإعطاء دورات من شأنها تغيير النمطية الفلسفية التدويرية التي يسير عليها التعليم بشكل عام في المنطقة الجنوبية وبشكل خاص في القطاع الجبلي بجازان. يجب أيضا أن توضع آلية عادلة وحوافز والتفرقة بين المجتهد وغير المجتهد والبدء جديّاً في مرحلة الاستيقاظ من مرحلة السبات الطويل من أجل الأرض والاسم والمستقبل والإنسان. أخيراً ... الفلسفة تعني التفكير في التفكير : وأنا حقيقة لا أعرف كيف يفكرون. كاتب وناقد