يا رب الكون أدخل الفرح والبهجة على كل قلب ضعيف مظلوم في زمن انقلبت فيه كفة الموازين فضاعت معها معايير الإنصاف والعدل الذي فيه يؤتى كل ذي حق حقه من المغنم والمغرم حيث أصبح المال ربا وسيدا وقبلة وغاية ومقصدا غابت معها كل قيم الإنسانية والمثل السامية في نهج مسالك الأهداف المرسومة كفطرة فطر الله الناس عليها. كم قلوب من ذهب تكاد تتفتت كذرات الرمال في أرض قاحلة ، وكم من صدور تحوي بداخلها جيف مقنعة بثنايا كاللؤلؤ تسحر الناظرين وتسرق الألباب، وكم من مظلوم لا يعلمه إلا الله . فما شهدت مظلوما أشد حاجة إليك ربي ممن ضاع حقه وأصبح مغنمه مغرما عليه ،وما شهدت أسوء من لقاء فيه وعد وعهد وميثاق يتبدد في حينه كرماد على أطلال منسية في ريح عاصف. ومما علمت أن الدول كالبشر لها إقبال وشباب ولها إدبار وشيخوخة، فمن عاش الإقبال أحس بحلاوة ما بعده ومن عاش شبابها اقتات فوق قوته ومن عاش إدبارها وشيخوختها استغل العمى والصمم وعاش حياة مدبر لا يفكر إلا بما يأخذ معه مما خف حمله وزاد ثمنه باع علمه وحلمه وزاد ظلمه ، وكم هو مظلوم من كان يبذل نفسه ويسعى لحقه عند من يقتات من غير حقه، ومن قرأ عمن سلف سخر بمن خلف وما بعد الكمال إلا التلف ، وكم من جماجم توارت تحت الثرى ومازالت أسمائها مسطرة في الثريا بحروف من ذهب وكم من جماجم باقية فوق الرقاب مقلدة بالتيجان يدعو عليها الناس بالثرى ، عافتهم الأرض والسماء وهم يضنون أنهم في طريقهم إلى الفردوس ! ومما علمت أن زمنا جعل من الحرائر جواري ومن القيان ملكات إلا كان زمنا زاد فيه الثمل وأصبح كل شيء على أمل دون عمل وأصبح فيه كلام الليل يمحوه النهار ، فيكثر الجرذان والصراصير ، وتتخم الخنازير ، فينكح العبد حرة وينكح الحر جارية ، ويسود الحمقى والمغفلين، وتكثر ذرية الشياطين يسترون وجوههم ويبدون عوراتهم ، فيحل عليهم غضب الأرض والسماء لا يكادون يفيقون من صيحة حتى تلحق بهم أخرى. فإن بليت بمثل ذلك الزمن فالزم دارك ولسانك ولا تسل سيفك حتى لو أقبل العدو على باب بيتك واكتم غيظك وأكثر السجود وقل ربي نجني من شر عبادك وعقابك وردني إليك وأنت راض عني يارب العالمين . ومما علمت من الغرائب والعجائب أن هناك رجل يملك عزائم الملوك يعيش خادما بين مُلاك لأثمن الدرر وأنعم الفرش و السرر ، يغازلون أجمل القوارير وأعذبها وأطيبها وأكثرها سما لا يضرهم شيئا بل يزيدهم حسنا وجمالا وهو بينهم فقير معدم بدون أجر لا يأكل إلا الأقل ولا يغازل من القوارير إلا مكسورة حدها كالسيف يشق الحنجرة ويدمي القلوب ويحرق الفؤاد ويذهب العقل ، سمه زعاف وفوقه عقاب ،فهذا إن نسي ربه بقي على ذله ومات موتة أرذل من ساقطات اليهود لا دينا ولا دنيا ، وإن اكتفى بربه أعز نفسه وعف وإن مات زاحم الأنبياء على أبواب الجنة ،وبين هذا وذاك مثل ما بين المشرق والمغرب فأي بلاء ذاك وأي أجر. ومما علمت أن الزنا من أخطر الذنوب على الإطلاق ليس إلا أن الزاني لا ينسى الزمان والمكان ما بقي حيا وكل ما تذكر تلك اللحظة أو من كان معه فيها أقبل الإثم كما كان في أول لحظة ولو تاب ! فكيف بأحمق يزني أكثر من مرة وبأكثر من امرأة و يعيش بين الناس مسرورا وهي تعاد على ذهنه تلك اللحظات الكرة تلو الكرة دون أن يخر ساجدا باكيا نادما حتى يلقى الله وليس عليه شيء . ومما علمت من الغرائب رجل يركب سفينة ربانها بدون أذرعة وعمدانها بدون أشرعة تبحر بالليل في موج كالجبال ما إن يصل إلى عنان السماء حتى يهوي إلى واد سحيق فيلمع البرق فيكشف عن هول المنظر وسوء المنقلب حيث أصبح الهلاك قاب قوسين أو أدنى ، فيستلقي مسلما نفسه للقدر باكيا ربي إني ظلمت نفسي فغفر وارحم وأنت خير الراحمين فيتذكر تلك الجريمة التي كانت مع فلانة ويتذكر تلك المطية المسروقة من دار فلان ويذكر أنه خان الامانة وقذف ابنة الجيران وشهد زورا وأخذ من حق أيتام وأرملة فبدت له ملفات تهد الجبال فخر باكيا وأناب وتاب وقال ربي هب لي من العمر ما أعيد به حق خلقك وأحسن فيه مآلي إليك ، فانقشع الضباب وغادر الليل وانبلج الصباح وإذا به في جزيرة الأحلام فنسي ما كان البارحة وعاد لما كان عليه وزاد فبئس من مخلوق وبئس المنقلب والمآل . وختاما قد يكون شهر رمضان هذا آخر شهر لي و لك فيا ترى ماذا سيكون منا فيه وما بعده فتذكر دائما معي ان لكل مغنم مغرم والرجل الحكيم يدرك متى يقدم ومتى يحجم واطلب الموت في سبيل الله توهب لك الحياة وعش عزيزا لا تظلم الناس شيئا ولو كانوا هم الظالمون وأصبر على مغرم الدنيا تظفر بمغنم الآخرة . اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا وكل عام وجميع المسلمين بألف خير .