خرجت ذات مساء حالم من بيتي , لأدور في فلك محافظتي الداير (بني مالك) , كانت السماء تتصبب عرقاً , والأرض تتصعد أرقاً , برغم سحابات مزن عابرة , ونفحات عصرية متجاسرة , ومما لفت نظري , وسبق مبتدئي بخبري , منظر زرافات من الشباب اقتربت منهم فعزوني في الخطاب , عيونهم غائرة , وشعورهم ثائرة , ونظراتهم حائرة , تواريت مع بعضهم في عزف نصح منفرد , لأخرج بجوقة أوجاع , ونوتات أوضاع , ومايستروهات أطباع , طرحتها على عقلي , وقسمتها على نقلي , وسحبت أذيال آلامي , عائداً إلى سكني , ووضعت رأسي في لحظة استرخاء أجتر من خلالها شريط ماحوى خيالي , فأسدلت عيني ستار حالي على قيثارتها , وأدنتني من كواليس مسرح عدساتها , وأسمعتني همهمات أبطال فصولها , ورأيتهم يقتربون مني , ويشيرون إلي بالتقدم تلقاء ضوء خارق يفلق الظلام , ويعري الأوهام , وكلهم ينادون باسمي , فدبت النخوة في عروقي , ولقيتني أخطو على عجل إلى مصدر ذلك الألق , فلما اقتربت سمعت كلمات حب أفعمتني , وذعذعت هسهسات ود شنفتني , فازددت زهواً على زهوي , وأقدمت لأرى الحبيب ابن الحبيب, الأريب ابن الأريب , العريب ابن العريب , تاج رؤوسنا , فخر نفوسنا , سمو أمير منطقتنا المهيب , في قبة من التواضع العجيب , يلفها أريج من ألف طيب وطيب , وإذا به مبتسم المحيا , مشرق الجبين , يشير إلي بعطف وحنان , يخالط برده نبض الجنان , ويقول : يابني مابال هؤلاء الفتية يسيرون خلفك ؟ لماذا دفعوك وأمامي وضعوك ؟ فقلت : ياسيدي إن هؤلاء وآلهم على هاماتهم رفعوك , وبأمر ولي الأمر رعاه الله أطاعوك , ولكنهم سيدي حيارى , لا يدري أحدهم بأي هم يتمارى ؟ هم ياسيدي شذر مذر من ثمان قبائل حدودية , غذاؤهم ورواؤهم تحيا السعودية , في الوعر نازلون , من العناء يعانون , لا قوت بأيديهم , ولا شأن يعليهم , أقامهم أرباب التهريب أغراضاً لسهامهم , وأعملهم أصحاب السوابق أذنابا لكلابهم , وغرر بهم أبواق الإرهاب صدى لأصواتهم , وجعل منهم أباطرة المخدرات خيوطاً لجيوبهم , فإن تتركهم سيدي هلكوا وأهلكوا , وإن تأخذ بأيديهم فإن عقولهم سليمة , وفطرهم مستقيمة , آباؤهم فدوكم , وإخوانهم طائعين أتوكم , وهم بانتظار غوثكم , وظائف تحتويهم , وأسبابا تحيطهم , ورعاية من لدنكم تصلهم , تعزهم بالله ثم بكم , تبدل أحوالهم , وتسركم بأفعالهم , وفيما أنا أواصل كلامي هب سمو سيدي واقفا كطويق قامة , كسهيل هامة , كالبدر في تمامه ودعا بصندوق سندسي جميل , وأشار بفتحه ثم قال : تقدموا أبنائي , واهنؤوا بوفائي وأخرج يده البيضاء تحمل نخلة خضراء دانية العذوق , وأعطى منها وأعطى وإذا بها تزيد وتزيد , ثم قال : هزوا بجذعها أيها المخلصون , فإذا بثمارها تتساقط فصحوت من غفوتي على وقع رطبها على رأسي , وأنا أصيح والكل يردد : سارعي للمجد والعلياء ............ مجدي لخالق السماء وارفعي الخفاق أخضر ............ يحمل النور المسطر رددي الله أكبر ياموطني موطني عشت فخر المسلمين عاش المليك للعلم والوطن .