بسم الله الرحمن الرحيم عرض لي أخي علي بن يحي صالح الغزواني مشاركة نشرت قبل مدة في احد المنتديات الجازانية بعنوان (الغزواني الذي شنق في القاهرة) كتبها(أبو هشام) فأحببت المشاركة في التعريف بهذه الشخصية نشأة وترحالا وأدبا ... أما النسب ومكان الولادة فأرجئ الحديث فيه الآن لعدم اكتمال المادة وقد يتيسر ذلك لاحقا إن شاء الله . وهذا الموضوع يهم منطقة جازان وأبنائها فعمارة أحد مفاخرها وقد عرف أبناء المنطقة بشغفهم بالعلم والأدب فكيف تنسى جازان أحد من اشتهر للعالم من أبنائها. كما أود التوضيح أن القطاع الجبلي لم يكن بعيدا عن معترك السياسة والحوادث التاريخية الهامة بل غني بالكثير من الآثار والحصون والكتابات التي تعود الى العصور الثمودية واللحيانية فضلا عن السبئية والحميرية كما شارك أبناء هذا القطاع في صناعة تاريخ الجزيرة العربية القديم وكانوا مدادا للفتوح الاسلامية من المشرق الإسلامي إلى الأندلس وأبدعوا قضاة وولاة وقوادا وفرسانا وقراء ورواة للحديث النبوي وأدباء وشعراء وتجارا... عمارة اليمني هو نجم الدين عمارة بن أبي الحسن علي بن محمد بن زيدان الحكمي ولد في قرية الزرائب بالمخلاف السليماني سنة 515ه تلقى تعليمه الأولي في قريته وعرف بعمارة (الحدقي) ثم ارتحل لطلب العلم إلى زبيد حاضرة العلم والسياسة وأطال البقاء بها ولفت نظر معلميه بسلامة لغته وذلك أن أهل قريته لم يختلطوا بغيرهم فحافظوا على صحة عباراتهم وسلامة ألسنتهم فكان ذلك مثار الإعجاب به وبأهل بلدته . عرف في زبيد بعمارة (الفقيه والفرضي) لتميزه في هذا العلم وأجاد فنون الشعر وغلب فيه وزار صنعاء وجبلة وعدن – وهي عواصم ممالك يمنية في ذلك الوقت-ومدح ملوكها وعرف فيها بعمارة (الشاعر) كما عمل في التجارة بين هذه العواصم ونجح فيها معتمدا على علاقاته الواسعة برجالات هذه الدول مكونا ثروة مالية زادت من مكانته ووسعت من علاقاته فزاد لذلك حساده وأعدائه . حج إلى مكةالمكرمة سنة 548ه وخالط علمائها وأمرائها وعرف فيها بعمارة (الحكمي) وقد أعجب به أميرها قاسم بن هاشم واختاره لسفارة بعثها إلى الخليفة الفاطمي في القاهرة (الفائز بن الظاهر) سنة 549ه وعرف في مصر بعمارة اليمني حيث أقام بها عاما ثم عاد إلى مكة فزبيد . عاد إلى مكة حاجا وحمل سفارة جديدة إلى مصر سنة 552 وطاب له المقام ا فبقي بها حتى وفاته شنقا على أيدي صلاح الدين الأيوبي سنة569ه بعد سقوط الخلافة الفاطمية بتهم عدة أبرزها التآمر على السلطان ومحاولة إعادة الخلافة الفاطمية . كان سني المعتقد شافعي المذهب منذ طلبه العلم في بلدته ورغم اختلاطه بالإسماعيلية في اليمن ومصر وكذلك الزيدية في مكة وتتلمذه على يد علي بن مهدي الذي ينحو طريقة الخوارج إلا أنه بقي على مذهبه ينافح شعرا ويناظر نثرا حتى اشتهر في مصر بعمارة (السني) قال عنه ابن خلكان : (.. وكان فقيها، شافعي المذهب، شديد التعصب للسنة، أديبا ماهرا، شاعرا مجيدا، محدثا ممتعا ) فهو عمارة الحدقي الحكمي اليمني الفقيه الفرضي السني المناظر التاجر الشاعر الرحالة السفير السياسي المؤرخ الخطيب الأديب نديم الملوك وسمير الوزراء متعدد المواهب يحب معالي الأمور ذو روح وثابة ونفس عزيزة وقدرة عجيبة بهر أهل زمانه وسلب وفاق أقرانه وغلب . طلب منه في مصر تأليف كتاب عن اليمن فسماه المفيد في أخبار صنعاء وزبيد (مطبوع) وله ديوان شعر ومؤلفات أخرى لم تعرف حتى الآن ولعل فيها ما يغني أهل بلده ويقر أعينهم وقد تكون تلك المؤلفات مما سطا عليها الزمان بعاملي الجهل والعداء فلحقت بروح كاتبها . وأختم بهذه القصة حيث يظهر أن والد عمارة (علي بن زيدان الحكمي) كان كريما سخيا ممدحا قدم إليه الشاعر سليمان بن شافع الحارثي - وهو من أهل تهامة- في وفد يستعينه في دية قتيل فألفاه مريضا فقال : إذا أودى ابن زيدان علي .... فلا طلعت نجومك يا سماء ولا اشتمل النساء على جنين .... ولا روى الثرى للسحب ماء على الدنيا وساكنها جميعا .... إذا أودى أبو الحسن العفاء نماذج من شعرعمارة مدح عمارة سلطان الصليحيين في جبلة فأجازه بصلة وقصيدة فقد كان أيضا شاعرا فقال عمارة : فعوض عن شعري بشعر وزادني .... عطاء فهذا رأس مالي وذا ربحي شققت إليه الناس حتى لقيته .... فكنت كمن شق الظلام إلى الصبح وقال في مدح شاور الوزير الفاطمي : ضجر الحديد من الحديد وشاور... من نصر دين محمد لم يضجر حلف الزمان ليأتين بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفر وقال في الاعتذار لسلطان زبيد لمدحه غيره من الأمراء وما قصدت بتعظيمي عِداك سوى .... تعظيم قدرك فاعذرني ولا تلم وله هذه الأبيات : إذا لم يسالمك الزمان فحارب.... وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب ولا تحتقر كيدا ضعيفا فربما .... تموت الأفاعي من سموم العقارب فقد هد قدما عرش بلقيس هدهد.... وخرب فأر قبل ذا سد مأرب وقال في العتاب : رأيت رجالا أصبحت في مآدب ... لديكم وحالي وحدها في نوادب تأخرت لما قدمتهم علاكم .... علي وتأبى الأسد سبق الثعالب ليالي أتلو ذكركم في مجالس .... حديث الورى فيها بغمز الحواجب وأخيرا فمن أبناء بلدة عمارة ومن المعاصرين له الشاعر (السليف الحكمي).