يعود إنشاء الجامع الأزهر إلى عام 359ه حيث تم افتتاحه في رمضان 361ه وذلك على يد القائد جوهر الصقلي زمن المعز لدين الله الفاطمي. وبعد حوالى سبع عشرة سنة بدأ دوره التعليمي حيث تمت إقامة دار لإقامة خمسة وثلاثين فقيهاً وتم توفير الأرزاق لهم ومع مرور الوقت استمر الاهتمام بالجامع الأزهر من جانب الخلفاء العبيديين كما تم وقف العديد من الأوقاف عليه ومن أشهرها وقف الخليفة الحاكم بأمر الله والذي وصلنا نص وقفيته والذي تضمن كل ما يتعلق بحاجة الجامع من الإضاءة والنظافة والفرش وكذلك رواتب للأئمة والمؤذنين والمشرفين عليه كما تم تجديده مرات عدة. وقبيل نهاية الدولة العبيدية تولى صلاح الدين الوزارة في مصر في خلافة العاضد وأخذ يمهد لإنهائها وبخاصة تقليص النفوذ الشيعي فعين القاضي صدر الدين عبدالملك بن درباس للقضاء والحكم بمصر والقاهرة وكان شافعياً فأصدر فتوى بعدم جواز إقامة خطبتين للجمعة في بلد واحد فأبطلها في الجامع الأزهر ما أدى إلى توقف دوره منذ ذلك الحين وحتى بداية حكم الظاهر بيبرس. ويرجع الفضل في الاهتمام بالجامع الأزهر إلى الأمير عز الدين أيدمر الحلي نائب السلطان في مصر والذي كان له أعمال خيرية كثيرة وكان يسكن بجوار الجامع الأزهر فأراد أن يكون ثواباً له إعادة الخطبة مرة أخرى إلى هذا الجامع أو بمعنى آخر إعادة الحياة له فقام بعمارته وإصلاح ما تهدم منه وفرشه كما أقام مقصورة به لجماعة من الفقهاء وللحديث النبوي الشريف وقراءة القرآن الكريم. كما أعاد له أوقافه المغتصبة إضافة إلى تبرعه من ماله الخاص وكذلك من مال السلطان الظاهر بيبرس. وثار الجدل في شأن إقامة الخطبة به فجمع العلماء واستفتاهم في ذلك فكتبوا فتوى بجواز ذلك وأخذ خطوطهم عليها. وفي يوم الجمعة 18/ ربيع الأول/ 665ه أقيمت أول جمعة به والتي أطلق عليها أحد المؤرخين الخطبة النبوية لتزامنها مع شهر ربيع الأول مولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحضر الصلاة كبار الأمراء والعلماء وأصناف العالم على اختلافهم. وبعد الصلاة جلس الأمير عز الدين ومعه جماعة وقرأ القرآن ودعي للسلطان. وهكذا عادت الحياة مرة أخرى إلى هذا الجامع الذي أصبح منبراً للسنة وخاصة المذهب الشافعي كما أصبح جامعة للعلوم الإسلامية حيث استمر اهتمام السلاطين به طوال العصر المملوكي والفترات اللاحقة. * أستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود