القمة العربية التي ستعقد في العاصمة العراقية بغداد بعد أيام قليلة هي عادية في دوريتها، واستثنائية في ظروف انعقادها، وحتى استثنائية في مكان انعقادها. والقمة العربية تعقد بشكل دوري منذ 2001، وهذا في حد ذاته ظاهرة إيجابية، ويشكل الحد الأدنى من العمل العربي المشترك الذي يبقي النظام الإقليمي العربي الذي تجسده الجامعة العربية. والحفاظ عليه في حده الأدنى قد يكون السبب الرئيس لاستمرار هذا النظام خوفاً من البدائل. وهي لا تعدو أن تكون خيار سيطرة القُطْرية التي لم تعد قائمة في ظل العولمة والتكامل العالمي، أو خيار النظام الشرق أوسطي الأوسع والأشمل الذي سيلغي أي وجود لأي دور عربي. ولذلك فإن انعقاد القمة العربية في بغداد رغم كل التحديات والمعيقات الداخلية التي تواجهها العراق وخصوصاً لناحية الأمن، والتحديات التي تفرضها التحولات العربية وسقوط عدد من النظم العربية التي أدت دوراً مهيمناً ومؤثراً في تحريك بوصلة القمم العربية فشلاً أو نجاحاً، إلى جانب التهديدات الإقليمية والتحول في موازين القوى والتلويح بحرب إقليمية طرفها المباشر إيران، والدولية الساعية إلى الانقضاض على النظام العربي وتحويله إلى دويلات صغيرة، يعتبر قراراً صائباً وسليماً، أو كما يقال أضعف الإيمان لكيفية مواجهة هذه التحديات التي تعصف بمستقبل النظام العربي وقمته العربية. ويأتي عقد القمة العربية في ظل ظروف استثنائية غير مسبوقة: فالعراق يواجه مشكلات داخلية كبيرة تصل إلى حد تهديد هويته العربية، فالمشكلات الأمنية والتفجيرات المستمرة ونزيف الدم المستمر، قد تلقي الشكوك حول مدى قدرة العراق على توفير الأمن وضمان حياة المشاركين من العرب وغيرهم. وعقد القمة العربية في العراق وإصراره على ذلك قد يكونان رسالة لتأكيد العراق على هويته العربية، وتبقى قدرة العراق على القيام بدور متوازن بعيداً عن التأثير الإيراني والأحداث في سوريا. وتعقد القمة العربية وما زالت الثورات والتحولات العربية مستمرة وتلقي بظلالها على دور عدد من الدول العربية المهمة كمصر، ومن ثم قد تنعكس على مستوى الحضور، وسنرى قمة عربية إذا عقدت بوجوه جديدة، وبغياب لشخصيات كانت حاكمة، وهنا قد تبرز مشكلة ومستوى التمثيل العربي. فغياب عدد من قادة الدول العربية يؤثر في فعالية القرارات التي قد تتخذها القمة العربية في مرحلة تعتبر بحق من أخطر المراحل التي تمر بها دول المنطقة. وتعقد القمة العربية فيما تلوح في بوادر حرب إقليمية مسرحها ومجالها دول المنطقة، وتفترض قراراً واضحاً من الحرب في حال اندلاعها، وقبل اندلاعها. ومن القضايا المهمة التي ستواجه هذه القمة قضية مستقبل المبادرة العربية، وعملية السلام التي وصلت إلى طريق مسدود، وقضية القدس والمصالحة الفلسطينية. وتبقى القضية الدائمة التي تطرح كل مرة على جدول القمم العربية، وهي قضية تفعيل الجامعة العربية، والارتقاء ولو خطوة واحدة في طريق العمل العربي المشترك. وهذه القمة الاستثنائية في العراق تذكرنا بالقمتين اللتين عقدتا في العراق: عام 1990 التي تلاها اجتياح العراق للكويت وانهيار مفهوم الأمن القومي العربي، والقمة التي سبقتها عام 1978 والتي جاءت بعد زيارة السادات للقدس والتي جمدت عضوية مصر في الجامعة العربية وإذا أردنا قمة ناجحة في حدها الأدنى ينبغي أن تكون عربية في قراراتها.