قال الشاعر أحمد مطر: "أدام الله والينا- رآنا أمةً وسطًا- فما أبقى لنا دنيا ولا أبقى لنا دينا!!". لم يترك لنا المخلوعون مجالا إلا وأفسدوه، حتى طال فسادهم آخر خيط يمكن أن يتشبث به الإنسان من أجل البقاء ألا وهو الأمل. مجرد الأمل والتمني والتوق لغد أفضل. ولذلك لاحظنا أن كثيرا من الشباب ولوا وجهتهم إلى البحار رغم ما تحويه من مخاطر كبيرة وعقدوا الأمل على ما وراءها بعدما فقدوا الأمل في العيش بكرامة في ظل دولة الفساد والاستبداد. فلا يمكن للإنسان أن يعيش بدون أمل، فهو القاطرة التي تجر بقية العربات، وهو محرك البحث عن المستقبل والغد المشرق والحلول المنتظرة لكل مصاعب الحياة. وأعظم شيء يمكن أن تقدمه سلطة منتخبة لجماهير شعبها هو إحياء الأمل في نفوسهم وشحذ هممهم من جديد. عندئذ سيجدون أنفسهم مقبلين بكل تفاؤل على رسم تصورات ورؤى جديدة ترتكز على آمال عظيمة وتعتمد على عزائم فولاذية. والأمل لا يبنى من فراغ، بل له مقدمات وأسس. فمقدماته إشاعة الحرية بين الناس حتى يعبروا عن آرائهم بكل حرية، وأسسه إشاعة العدل بين الناس والسعي إلى تطبيق وتجسيد العدالة الاجتماعية. قال عبد الرحمان بن خلدون "العدل أساس العمران". فإذا سعت السلطة المنتخبة إلى تطبيق العدل بكل السبل الممكنة حازت شيئا فشيئا على ثقة الناس وضمنت لاحقا تضامن مؤسسات المجتمع المدني في كل عمل مستقبلي. فكما هو معلوم لدى الخاصة والعامة لا تستطيع السلطة المنتخبة في جل البلاد العربية إيجاد حلول، في ظرف وجيز، لكل المعضلات الاجتماعية والاقتصادية بدون مد تضامني من مختلف فئات الشعب. والمد التضامني لكي يكون فعالا يحتاج إلى ثقة متبادلة بين السلطة ومؤسسات المجتمع المدني. وعندئذ تستطيع السلطة القائمة، ممثلة في السياسيين والمفكرين والعلماء والدعاة، لفت عناية الناس إلى المساهمة في أداء الواجب الإنساني والديني والوطني لإيجاد حلول لكل المسائل المطروحة. فلا بد من إشاعة ثقافة التآخي والتعاون بين الناس وثقافة التفكير في الآخر، ولا بد من إرساء ثقافة لكل الناس الحق في العمل والحق في الحصول على دخل مادي على قاعدة الرجل وبلاءه والرجل وحاجته. فالدولة والمجتمع المدني بكل مكوناته، مطالبان بالسعي الجاد لإيجاد حلول بديلة لمن لم يحصل بعد على وظيفة. والسعي هنا ليس لرفع الحرج ولرفع العتب بل هو واجب مقدس. فلقد أصبحنا نعيش في زمن لا قيمة فيه لمن لا عمل ولا وظيفة له. فالوظيفة أصبحت مفتاح الاستقرار للغالبية العظمى من الناس. ولا بد لنا أن نسعى لإرساء مفاهيم تحط من قيمة كل الذين لا يسعون لإيجاد مخارج وحلول لمن انقطعت بهم السبل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم". وقال عمر ابن الخطاب "لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لمَ لمْ تمهد لها الطريق يا عمر". وقال الله تعالى "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" "سورة التوبة 34- 35". فالحاكم والمحكوم مطالبان أمام الله وأمام بعضهم البعض بوجوبية إغاثة الملهوف وتأمين الخائف والأخذ بأيدي الناس إلى بر الأمان. فلا خير في أناس يكنزون الذهب والفضة والآلاف المؤلفة من الدنانير ولا يسخرون هذه الأموال لتنشيط الدورة الاقتصادية ولإيجاد حلول ومواطن شغل لأكبر عدد ممكن من الناس وإسعادهم. والله تعالى حرم الربا وتوعد آكله بالحرب لأن آكل الربا يتحسس ويغتنم عثرات الناس لكي يمتص دماءهم ويزيد من معاناتهم بعكس الفطرة البشرية التي تميل إلى الأخذ بأيدي الناس وإسعادهم.