اثراء جديد للساحة الثقافية بالمملكة قدمه الكاتب عدنان عبد البديع اليافي في مؤلفة الجديد المدينةالمنورة في أعين رحالة غربيين ، والمؤلف يأتي ضمن سلسلة الرحلات الى مدن الحج ومحطاته،ويتألف من 330 صفحة من القطع المتوسطة. ويتضمن الكتاب وصفاً للعشرات من الرحلات القديمة إلى المدينةالمنورة إلى جانب وصف المدينةالمنورة في أدبيات الرحالة الغربيين. والكاتب له العديد من المؤلفات في المجالات العلمية والبحثية المختلفة باللغتين العربية والانجليزية. استهل الكاتب صفحات مؤلفه بعرض بعض من الجوانب الهامة للمدينة المنورة مثل اسمائها وجغرافيتها وتاريخها القديم حيث استعرض الكاتب اسماء المدينةالمنورة. أسماء المدينةالمنورة: للمدينة أسماء كثيرة تدل على مكانتها العالية في قلوب المسلمين، فهي عاصمة الإسلام الأولى، ومحضن المسجد النبوي ، ومثوى جسد الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وقد تتبع المؤرخون هذه الأسماء فأوصلها بعضهم الى مائة اسم ، غير أن الأسماء التي وردت في الآثار الصحيحة، وخاصة القرآن الكريم والحديث النبوي، دون ذلك، وأما بقية الاسماء فيبدو إنها اشتقت من بعض صفاتها، ومن الأحداث الجليلة التي مرت بها، ومن مكانتها العالية، وبعض الأسماء التي وردت في الآثار الصحيحة هي ما يلي: يثرب: وهو اسمها في الجاهلية، ذكره القرآن الكريم على لسان بعض المنافقين، فقال تعالى: ( وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكن فارجعوا.. ) الاحزاب: الآية / 13 قيل سميت بذلك لأنه اسم من سكنها عند تفرّق ذرية نوح عليه السلام في البلاد، وربما هو اسم للناحية التي منها مدينة الرسول صلى الله عليه أو للمدينة نفسها، أو لموضع مخصوص من أرضها. ولعل أهمها ماجاء عن الرسول الأعظم صلى الله عليه في الحديث الشريف: ففي صحيح البخاري حديث شريف: ( من قال يثرب مرة فليقل المدينة عشر مرات) والأحاديث كثيرة، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى المصادر. * المدينة : وهي الاسم الذي اشتهرت به بعد الهجرة، وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم، والحديث الشريف عدة مرات.. منها قوله تعالى : ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ان يتخلفوا عن رسول الله..) سورة التوبة: الآية / 120 وقوله صلى الله عليه سلم "اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا لمكّة أو أشد حبّاً". *طابة: وهو اسم أطلقه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد في عدة أحاديث، منها حديث ورد في صحيح البخاري عن أبي حميد قال: أقبلنا مع النبي صلى الله عليه من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة قال: هذه طابة وفي حديث صحّ : " إن الله سمّى المدينة طابة" وفي رواية : " إن الله أمرني أن أسمي المدينة طابة". *طيبة: ورد هذا الاسم في الأحاديث النبوية عدة مرات أيضاً، منها حديث ورد في صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المدينة فقال: " هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة". وروى ابن شبّة وغيره: كانوا يسمّون المدينة يثرب فسمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم "طيبة". * الدار والإيمان: ورد هذان الاسمان في القرآن الكريم في قوله تعالى ( والذين تبوءوا الدار والإيمان..) سورة الحشر: الآية / 9 * أرض الله : قال تعالى :( ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها) سورة النساء: الآية / 97 وغيرها الكثير من الاسماء المستمدّة من الأحاديث عن الرسول الكريم وعن الصحابة الأبرار : أرض الهجرة، أكالة القرى، الإيمان، البارّة ، البرّة، البحرة، البُحَيْرة، البَحيرَة، البلاط ، البلد، بيت الرسول،تندد، تندر، الجابرة ، جبار، جزيرة العرب ، الجنّة الحصينة، الحبيبة، الحرم، حرم الرسول، حسنة، الخيّرة، الخيْرة، دار الأخبار، دار الإيمان، دار السنّة، دار السلامة، دار الفتح، دار الهجرة، ذات الحُجر، ذات الحرار، ذات النخل ، السلقة ، سيدة البلدان، الشافية، العاصمة، العذراء ، المحفوظة، المختارة، مدخل صدق ..إلخ وقد يقارب عدد اسماء المدينةالمنورة أربعاً وتعسين اسماً أو ربما تزيد.. بعض أهم رحلات الحج العربية إلى مكةوالمدينة رحلة بن جبير: كتب هذا الرحالة العربي الشهير بعض مشاهداته في إحدى رحلاته إلى الشرق فيما بين سنتي 578 و 581ه في كتاب شهير بعنوان "رحلة ابن جبير" - وسنتكلم عن هذه الرحلة بتوسع أكثر لاحقاً . رحلة ابن رشيد: هو محمد بن عمر بن رُشيد - بضم الراء- الفهري السبتي الأندلسي 657-721ه زار مصر والشام والحجاز، بحيث وصل المدينةالمنورة بطريق الحج الشامي في 23 ذي العقدة سنة 684ه ، وعاد منها بعد أن حج - عاد في 28 ذي الحجة سنة 684ه بطريق الساحل ماراً بالعقبة في 25 محرم سنة 685ه. رحلة العبدري: هو محمد بن محمد بن علي العبدري الحيحي نسبة إلى حاحة - على غير قياس - قبيلة من البربر في المغرب الأقصى وهو من أهل القرن السابع . حج سنة 689ه ماراً بمصر سالكاً طريق الحج الساحلي، فوصف ذلك الطريق منزلة منزلة وقد استفاد من رحلة ابن جبير وأتى بأشياء لم يذكرها ابن جبير في رحلته. رحلة التجيبي: القاسم بن يوسف بن علي السبتي التجيبي 670-730ه وقد حج سنة 696 ه قادماً عن طريق البحر من عيذاب إلى مرسى أبحر من موانيء جدة فوصل إليها في 8 رمضان من تلك السنة بعد أن أمضى في البحر 24 يوماً. رحلة ابن بطوطة: وهو محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي 703-779ه وبطوطة بتشديد الطاء الأولى المضمومة. ورحلته شاملة، فقد زار الأقطار الإسلامية وبلاد الشرق في عهده، واستغرق في رحلته سبعاً وعشرين سنة أو تزيد، من سنة 725ه الى سنة 755 ه. رحلة البلوي: هو خالد بن عيسى بن أحمد البلوي الأندلسي من أهل القرن الثامن، حج سنة 738ه ماراً بمصر ثم بالشام ، فقد ركب مع الركب الكركي بطريقة الحج الشامي فوصل المدينة في 19 ذي القعدة سنة 738ه وحج ثم عاد من المدينة في 19 ذي العقدة سنة 738ه وحج ثم عاد من المدينة في 24 المحرم سنة 738ه ماراً بالعقبة فالقدس فالقاهرة حيث وصلها في 14 صفر سنة 738 ه. رحلة الصفدي: خليل بن ايبك الصفدي المتوفى سنة 764ه واسمها "حقيقة المجاز إلى الحجاز" كانت منها نسخة مخطوطة في زاوية درعه في المغرب بخط المؤلف - على ماذكر ابن عبد السلام في رحلته - ونقل عنها كما نقل عنها صاحب "درر الفوائد المنظمة". رحلة القلصادي: أبو الحسن علي القلصادي الأندلسي المتوفي سنة 891ه، بلغ جدة عن طريق البحر في شعبان سنة 851 ه ، وعاد بحراً - بعد أداء الحج - من رابغ الى العقبة فمصر - في شهر محرم سنة 852ه. رحلة البكري: البكريون العلماء كثيرون ولبعضهم رحلات ومما ينسب الى احدهم رحلة ذات اسلوب ادبي ممتع تضمنت وصف منازل الحج من البركة - المنزل الاول من القاهرة - الى مكةالمكرمة عن طريق سيناء، فساحل البحر الى ينبع ، فبدر ، فرابغ. رحلة البكري: وهذا من أهل القرن الحادي عشر لخص رحلته الدكتور أحمد سامح الخالدي، ونشر الملخص في مجلة " الرسالة" واسم الرحلة الحقيقة والمجاز ومخطوطاتها في دار الكتب المصرية. رحلة القيسي: هو ابو عبدالله محمد بن أحمد القيسي الشهير بالسراج ، صاحب كتاب: "أنس الساري والسارب من أقطار المغارب إلى منتهى الآجال والمآرب سيّد الأعاجم والأعارب" من أهل القرن الحادي عشر ويعُرف بابن المليح. الرحلة العياشية: قام بها الرحالة: أبوسالم عبد الله بن محمد العياشي - نبسبة إلى قبيلة آية عياش - الفاسي 1037-1090ه واسماها: " ماء الموائد" يقول عنها الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - أنها من أوفى رحلات الحج. رحلة الهشتوكي: هو أحمد بن محمد بن داوود بن يعزى الجرولي نسبا الهشتوكي شهرة المتوفي سنة 1096ه. الرحلة الناصرية: مؤلفها الشيخ أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي 1057 -1129ه تعتبر هذه الرحلة من أوفى الرحلات الى الحج وامتعها. رحلة النابلسي: هو الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الدمشقي 1050-1143ه. رحلة المنالي الزبادي: هو عبد المجيد بن علي الحسني الإدريسي الفاسي المتوفي سنة 1163ه، واسم رحلته "بلوغ المرام بالرحلة إلى البيت الحرام" وكان حج سنة 1148ه، وضمن رحلته هذه قصيدة سماها "إتحاف المسكين الناسك لبيان المراحل والمناسك". رحلة السويدي: قام بها أبوبكر عبد الله بن حسين السويدي البغدادي 1104-1174ه. واسماها "النفحة المسكية في الرحلة المكية" ومن نسخها المخطوطة نسخة في مكتبة عارف حكمة شيخ الإسلام في المدينة. رحلة ابن عبد السلام هو محمد بن عبد السلام بن عبد الله الناصري الدرعي المتوفي سنة 1239ه من بيت علم مشهور. وقد حج مرتين احداهما سنة 1196ه والثانية 1211ه، وعن الحجة الأولى ألف رحلته الكبرى وهي من أوسع الرحلات وأوفاها، وأما حجته الثانية فقد الف عنها الرحلة الصغرى. رحلة التامراوي: هو محمد بن محمد المزاوري التامراوي من المغرب الأقصى حج سنة 1242ه وقد أورد رحلته كاملة صاحب كتاب "المعسول" ج8 ص/ 197 وهي موجزة جداً. رحلة إدريس العلوي: هو إدريس بن عبد الهادي العلوي الحسني الفاسي المتوفي في المدينة 1331ه. وصف رحلته الى الحج سنة 1288ه وهي رحلة مختصرة جداً ومخطوطاتها في خزانة الرباط. رحلة ابن كيران: هو محمد بن الطيب بن كيران الفاسي المتوفي سنة 1314ه، واسم رحلته " الرحلة الفاسية الممزوجة بالمناسك المالكية" وصف فيها رحلته إلى الحج سنة 1293ه. الرحالة الغربيون لودفيكو دي فارثيما Luodovico Di varthema «الحاج يونس المصري» ترجمة حياته: رحّالة إيطالي غادر مدينة البندقية عام 1502م متجهاً الى مصر، ثم دمشق ومنها إلى المدينةالمنورة، فمكةالمكرمة التي وصلها في رفقة قافلة حجاج، وكان يعمل حارساً لها، وقد اشتهر فارثيما بحب المغامرة والاندفاع، ولم يعر وصف الاماكن جغرافياً اهتماماً يذكر بل لم يعط وصفا دقيقا لمكةوالمدينة لا لممارسة الشعائر الدينية، إذ كان شغوفاً بوصف الاشياء الغريبة مما اوقعه في مشاكل عديدة مع السلطات والناس. وصول فارثيما للمدينة المنورة ووصفه لها: غادرت القافلة التي كان فارثيما أحد حراسها الستون في الثامن من شهر أبريل عام 1503م الموافق 908ه وذكر فارثيما أن الرحلة من دمشق الى مكّة تستغرق أربعين نهاراً وأربعين ليلة سفراً بالقافلة. يقول فارثيما حين وصوله إلى مشارف المدينةالمنورة: و"وصلنا لمدينة النبي صلى الله عليه وسلم "المدينةالمنورة" وبالقرب من المدينةالمنورة - على بعد أربعة أميال - وجدنا بئراً، كانت القافلة قد توقفت عندها يوماً، حيث استحم كل فرد من أفراد القافلة ووضع ثيابه، وارتدى ملابس نظيفة من قطع الكتان قبل دخول مدينة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم بدأ فارثيما بوصف المدينةالمنورة فقال: " تضم نحو ثلاثمائة منزل، ويحيطها سور من طين ، اما مساكنالمدينةالمنورة فقد شيدت جدرانها من الحجارة ، والمنطقة المحيطة بالمدينةالمنورة قد أصابها الجفاف، فهي قاحلة مع استثناء واحد : فعلى مرمى حجرين خارج المدينة، يوجد حوالي خمسين أو ستين نخلة في بستان بآخره قناة تنحدر اربعاً وعشرين درجة على الأقل، ومن هذه القناة ارتوت القافلة عند وصولها للمدينة..". والان فإن أولئك الذين يقولون بأن قبر محمد صلى الله عليه وسلم معلق في الهواء بمدينة مكةالمكرمة، كاذبون يستحقون التوبيخ ، فقد رأيت قبره صلى الله عليه وسلم في المدينةالمنورة، التي مكثت بها ثلاثة أيام، وكنت حرياً على رؤية كل شيء فيها .. ففي اليوم الأول من وصولنا للمدينة المنورة، وعند دخول المسجد النبوي كان يصطحبنا بعض الأشخاص الذين أمسكوا بأيدينا وقادونا إلى قبر الرسول الله صلى عليه وسلم. وقد وصف فارثيما المسجد النبوي الشريف والموضع الذي دفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم فقال: "يبلغ طول مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مائة خطوة طولاً وثمانين خطوة عرضاً، ويوجد بابان في كل جهة من جهاته الثلاث، أما جهته الرابعة فلا أبواب فيها ، وسقفه مقوس به أكثر من 400 عمود من الأحجار الداكنة، قد طليت جمعيها باللون الأبيض ، وبه حوالى 3000 مصباح تضاء من جانب واحد من الأقواس، وعند رأس المسجد ناحية اليمين يوجد برج مربع يبلغ طول كل ضلع من أضلاعه خمس خطوات، وقد غُطي بالحرير، وعلى بعد خطوتين حاجز معدني مشبك جميل، يقف الناس إزاءه لرؤية هذا البرج، وفي الجانب الأيسر من هذا الحاجز يوجد باب صغير يفضي الى البرج، ويوجد في هذا البرج باب صغير آخر، وعند أحد البابين يوجد حوالى عشرين كتاباً،وعند الجانب الآخر خمسة وعشرون كتاباً، وتتناول هذه الكتب جميعها حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة.. " مكث فارثيما مع القافلة في المدينة أربعة أيام فقط، وهي فترة غير كافية لإعطاء صورة كاملة وشرح تفصيلي عن المدينة، وعن ساكنيها، وعن الحياة فيها. لقد اتسم وصف فارثيما لرحلته - وخاصة رحلته الى المدينة - بعدم الموضوعية في أمور كثيرة أوردها في كتابه، وهي تعبر عن ضعف في خلفيته المعرفية بالدين الإسلامي والمسلمين، وربما كانت معظم معلوماته مستقاة من بعض مرافقيه الجهلة، أو كثرة الخرافات التي ربما كانت منتشرة في ذلك الزمان، أو أراد منها تشويق القارئ الأوروبي ، وجعل رحلته تتسم بشيء من المغامرة، ولكن لا ننكر بأنه قدّم لنا معلومات تاريخية - على أقل تقدير- قد تفيد الدارسين لتلك الفترة والتي قُدمت بعين أوروبية. ريتشارد بيرتون لم يكن ريتشارد بيرتون شخصاً عادياً، وإنما رحالة ودبلوماسي عالم، طبقت شهرته الافاق. ترك خلفه 40 مجلداً عن رحلاته واستكشافاته في العالم، بالإضافة إلى 30 مجلداً لترجمات كتب شهيرة، منها ترجمته لكتاب الف ليلة وليلة في عشرة أجزاء ، قام بعدة رحلات أهمها رحلته إلى مصر والديار المقدسة. وصف بيرتون لرحلته إلى المدينةالمنورة: في الخامس والعشرين من شهر يوليو من عام 1853م وصل بيرتون ورفاقه مشارف المدينةالمنورة قادمين من بير عباس ويصف لنا بيرتون منظر المدينةالمنورة من البعد فيقول: " كلما تطلعنا صوب الشرق أطلت الشمس من أفق يحده تل منخفض تناثرت عليه شجيرات صغيرات جعلها ضباب الصباح تبدو عملاقة، أما الارض فقد صبغت باللونين الارجواني، والذهبي، ويمتد امامنا سهل رحب، تحد امتداده أرض متموجة. وإلى اليسار كومة صخور غامقة هي جبل أحد الشهير، وقد استكانت عند قاعدته أجمة أشجار خضراء ، وقبة بيضاء أو قبتان، وعن يميننا شريط عريض من ضباب اتخذ لوناً أرجوانياً فاتحاً اعترته رزقة ، فكأنه صبغ بصبغ زهر الليلك، وقد تجمع فيه قطر الندى ، فغدا ضباباً كثيفاً أوهن بكثافته اشعة الصباح التي راحت تجاهد لاختراقه، لتنتشر في بساتين النخيل وحدائق قباء التي تشمخ على أرض زمردية خضراء، وسط سهل مصفر. نحن نقف على بعد ميلين تقريباً من المدينةالمنورة، تبدو كبيرة عند النظر إليها من بعيد فإذا ما اقترب المرء منها وتمعن تبين له أنه مخطئ، وثمة طريق متعرج من "الحرة" إلى المدينةالمنورة يتلوى عبر السهل ويفضي إلى بوابة مرتفعة ذات شكل مستطيل في السور الطيني الذي يسور الحي ، إنها بوابة العنبرية، وإلى اليسار منها مبنى جميل على الطراز التركي عليه قباب ومآذن، إنه التكية التي تأوي المسافرين من الدراويش ، وإلى اليمين منها صف طويل من مبان منخفضة، مطلية باللون الابيض، لها نوافذ مربعة الشكل. وهنا يعطي بيرتون وصفاً دقيقاً، وشاملاً للمدينة المنورة، ليرسم للقارئ صورة متكاملة عن المدينةالمنورة حينها فيقول: "إذا بدأنا من ناحية يدنا اليمنى ونحن جلوس على التلال، فإن المعالم الجديرة بالملاحظة في المدينةالمنورة هي على التوالي: إلى الخارج بين النخيل إلى الشمال من المدينةالمنورة تبدو بقايا سبيل ماء ضخم وقديم، وبين هذا السبيل والسور يقبع مبنى رائع على نسق نظام الأجنحة التركية إنه قصر الحاكم ، وفي الزاوية الشمالية الغربية لسور المدنية المنورة حصن مرتفع مطلي بالطلاء الأبيض ، وقد شيد بجانبه فوق كتلة من الصخر البارز، إلا أن سوره الخارجي واستحكاماته، وكواته الواسعة من الداخل والتي تميل إلى الضيق من الخارج، كل هذا يعطي انطباعاً أنه مبنى أوروبي حديث، مما يتناقض تناقضاً غريباً مع تاريخه الشرقي الحقيقي. وفي حي المناخة تبرز - متألقة - القباب ومآذن المساجد الخمسة بين كتل المنازل الرمادية والأرض الخالية..، وإلى الخلف في أقصى شرق المدينةالمنورة يشاهد المرء على البعد جوهرة المدينة ودرتها - إنها المآذن الأربع المرتفعة، ذوات البناء المكين، والقبة الخضراء المتألقة التي دفن الرسول صلى الله عليه وسلم تحتها.