يخطئ من يعتقد أن الحرب الأمريكية في العراق لم تؤثر على الشعب الأمريكي الذي يبعد عن منطقة الحرب آلاف الأميال، فقد اعترف الرئيس باراك أوباما بأن جيلا كاملا سيعاني من آثار وتداعيات الحرب الأمريكية في العراق، في حين قال كثيرون إن أجيالا من الأمريكيين سينعمون بالنتائج الإيجابية للحرب على العراق. وفي واقع الحال فإن انعكاسات الحرب في الداخل الأمريكي قد ظهرت بسرعة كبيرة، رغم التعتيم الإعلامي الواسع على الخسائر البشرية، إذ فرض الرئيس السابق جورج دبليو بوش على وسائل الإعلام الابتعاد عن مناطق وصول جثامين القتلى من الجيش الأمريكي، ولو كان عدد القتلى بنفس الأرقام التي تعلنها وزارة الدفاع الأمريكية، ما الذي يمنع من تغطية وصول الجثامين عن طريق القاعدة الأمريكية في ألمانيا، ومن ثم نقلها إلى الولاياتالمتحدة قبل تسلمها من قبل عوائل القتلى؟ وفي اعتراف صريح قال وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس إنه يجلس مساء كل يوم ليوقع رسائل التعزية لعوائل القتلى في العراق وأفغانستان، ورغم جميع الاحترازات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بعدم بث عمليات المقاومة العراقية المصورة التي تصل إلى الفضائيات من خلال الانترنت والتي قدرها مختصون في شؤون المقاومة العراقية بأكثر من مئة ألف هجوم مصور يوضح مكان وتاريخ الهجوم، وتزخر مواقع فصائل المقاومة في شبكة الانترنت بهذه العمليات، إلا أن بثها في الصحف والفضائيات أمر آخر، وتأثيره في الرأي العام يكون بوقع أقوى وأسرع. وبالمقارنة مع حرب أمريكا في فيتنام فإن انعكاسات وتداعيات الحرب في العراق برزت بسرعة كبيرة، إذ يقول المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي إن الأمريكيين لم يتعرفوا على حقائق الحرب في فيتنام إلا بتارخ "11 11 1982" عندما نشرت وسائل إعلام أمريكية بعض تفاصيل الحرب التي انتهت بهزيمة القوات الأمريكية من سطح السفارة الأمريكية في سايغون بتاريخ "30 أبريل/نيسان 1975". لهذا فإن الأمريكيين لم يتلمسوا حجم الخسائر في فيتنام إلا بعد مضي ثماني سنوات على انتهاء الحرب بهزيمة كبيرة للأمريكان.في العراق اختلفت الصورة، فقبل أن يخرج آخر الجنود الأمريكيين من العراق اعترف باراك أوباما بحجم الخسائر وطبيعة تداعياتها على جيل كامل من الأمريكيين؛ وتختلف تقديرات الفترة الزمانية للجيل، إلا أن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للحروب تصل إلى عشر سنوات تقريبا. وفي افتتاحية لها قالت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" بتاريخ 22 12 2011 ما نصه "القوات الأمريكية تغادر العراق بعد أن تكبَّدت خسائر فادحة في حرب كان من المؤمل ألا تطول لأكثر من عدة أشهر. وهذا ما سيظل ماثلا في أذهان صناع القرار الأمريكي على مستوى السياسة الخارجية والأمن القومي، لسنوات طويلة". لم يقتصر حجم الخسائر الأمريكية على أعداد القتلى والجرحى والمعوقين الذين سقطوا بنيران المقاومة العراقية فقط، وهناك الجانب الاقتصادي الذي يعد المرتكز الأساسي للمنظومة الحكومية الأمريكية، ويتفق الكثير من الخبراء في الاقتصاد أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي اشتعل فتيلها من وول ستريت في سبتمبر عام 2008، وبدأت سلسلة انهيارات لكبار البنوك الأمريكية وكان في المقدمة بنك "ليمان برذر" العملاق، يعيدون أسباب هذه الأزمة الكبيرة والتي ما زالت تلقي بظلالها على المجتمع الأمريكي والعالم، إلى حجم الخسائر الأمريكية في العراق والتي حددها الخبير الاقتصادي الشهير "لورنس ليندزي" بثلاثة آلاف مليار دولار حتى منتصف عام 2008، وضمن تلك المعلومات في كتاب أصدره بعنوان "الذي رفض تعلمه الرئيس أرغمه العراقيون على تعلمه"، وكان الرئيس جورج دبليو بوش قد أقال ليندزي الذي كان مستشاره الاقتصادي الخاص على خلفية مقال نشره في أكتوبر "تشرين الأول" عام 2002، أي قبل الحرب بستة أشهر تقريبا، قال فيه إن شن الحرب على العراق سيكلف ميزانية الولاياتالمتحدة بين مئة إلى مئتي مليار دولار، ورأى بوش بذلك القول تهديدا مباشرا للاقتصاد الأمريكي، لكن خسائر أمريكا في العراق تجاوزت ذلك الرقم بعشرات الأضعاف وتسببت بالأزمة الاقتصادية الأمريكية والعالمية. وبالتأكيد سيبقى تأثير عشرات الآلاف من المجانين الأمريكيين وأكثر من ربع مليون معوق جسديا ونفسيا في المنظومة الاجتماعية داخل أمريكا مع الإيقاع المؤذي للاقتصاد المنخور.