بقلم- خالدالطويل كثيرة هي الأسماء الشعرية التي لم يقدر لها أن تعيش طويلا لتثري أكثر، وليس الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، وحده صاحب الأبيات الشهيرة" إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ ..فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَدَر" من اختطفته يد المنون في ريعان شبابه، حيث ينفتح تراثنا الشعبي كذلك على عدد من التجارب، التي تركت رغم رحيلها المبكر شعرا يستحق الالتفات. طالع بن صايل القطش الحربي، أو كما يحلو لمحبيه ومتابعيه أن ينادوه بين قومه الشعراء ب"القطش"من قبيلة بني علي من فخذ "الدهيم"، واحدا من تلك التجارب الشعرية المميزة، التي توقدت جمرتها الإبداعية مبكرا، بشهادة عدد من الشعراء، ولد القطش كما نقل الشاعر الكبير عضيب بن هليل الحربي في بلدة قبه بمنطقة القصيم عام 1374ه، ودرس الابتدائية فيها، وأنتقل بعدها إلى حفر الباطن التي واصل فيها تعليمه الثانوي، لينخرط بعدها بالسلك العسكري في قسم المظليين , وكان ختام حياته الوظيفة موظفا في قسم الاتصالات بحفر الباطن. ويؤكد عضيب بن هليل العلوي الحربي شاعرية القطش، ووصف تجربته ب"المتميزة" بين أقرانه من جيل الشباب إلا أنها لم تأخذ نصيبها في الظهور والتوثيق والاحتفاء، ويرجح بن هليل فقدان عدد من قصائده والتي طالب من يكون لديه نسخة منها بالإفصاح عنها. وكشف لنا بن هليل عن محاورة جرت بينه وبين القطش حين ذهب إليه زائرا إلى منزله مرتين ولم يجده حيث اعتذرت ابنته في الثانية أنه نائما، فتوقدت قريحة بن هليل بهذه الأبيات: أول المشوار جيت ولا لقيتك وأخر المشوار جينا وأنت نايم وابتلشنا بالتردد يم بيتك ما يجوز أنك تخلي البيت دايم ورد القطش يرحمه الله: والله أني يوم علمت احتريتك مير لا تجمع علي من القسايم كان عندك مشكلة قلي فديتك ما رضينا مع ردين العزايم فجاوبه بن هليل: البقا لو ما أنت طيب ما نصيتك عارف أنك من رياجيل اللزايم لو يسبك واحدٍ عندي حميتك لك شهادة عن مدورة اللوايم وعرف الشاعر القطش –يرحمه الله- بحسن خلقه، ورجولته وحرصه على خدمة الناس، وأكثر من ذلك بره بوالده، حيث لازم والده المريض، يتعهده بالرعاية حتى رحيله، والمفارقة أن القطش رحل كما يروي هذه المرة ابن عمه صالح بن عبيد القطش بعد رحيل والده بعام، وتحديدا في 24شعبان 1412. وترك القطش حين أصر عليه أحد ابن عمومته بالمكوث لديهم، واضطرته ظروفه للسفر حينها لملازمة والده المريض، هذه الأبيات المؤثرة، والتي تشير إضافة لذكرها الدنيا وتقلباتها إلى بره بوالده: يا أبو عبيد أرجوك عذر وسموحه يا عل خيرك دب الأيام في زود إجازتي ما بين جيه وروحه قضت ودق بخاطري لازم العود دنيا على شوف الاحبه شحوحه نركض وتركض ما لحقنا لها حدود وتميز الشاعر –يرحمه الله- كما نقل عنه الكثير ممن يعرفونه بحبه للناس، وحرصه على خدمتهم، وعلاقاته الطيبة مع الصغير والكبير من قرابته وسكان حيه، يقول في مستهل أحد قصائده التي ينقلها ابن عمه صالح بن عبيد القطش ما يشير لهذا المعنى: يا حن قلبي حنة الجمس بثنين ويا حنتي حنة خلوجٍ حنونه على الذي صافي معي له زمانين ازروا مقلبة الحكا يدركونه لا شك حالت دون خلي نفودين ولو حال دونه دولةٍ ما نخونه إلى أن يصل إلى هذا البيت الرائع: الولف حنت له قلوب البعارين والناس غايب ربعهم يفقدونه وأخيرا يقول ابن عمه صالح بن عبيد أنه حاول أن يرثيه حين رحل بقصيدة ولكنه لم يتمكن من أكمالها يقول فيها: مرحوم ياللي ما نسينا مجاله لو هي ثلاث سنين مدة زواله نطريه وبطرياه ننثر دموعنا كنه بنفس اليوم قفت رحاله الله يبيحه طيب الذكر والثنا ما يكرم إلا من نوادر حلاله طالع نذر وقته لخدمات غيره من صكته دنياه بالجال جاله رحمه الله شاعرنا القطش، وعلى أمل أن نحصل على مزيد من نصوصه الشعرية كي نتمكن من تسليط مزيد من الضوء عليها، وسيكون لقائنا القادم –بعون الله-مع شاعر ترك من النصوص ما يجعله في مصاف الشعراء الكبار في ذات القدر الذي ظلمت فيه تجربته ولم يكتب عنها سوى اليسير جدا. [email protected]