لسنا وحدنا نحن الفلسطينيين والعرب الذين نتظاهر ضد إسرائيل، ونقف في مواجهة أطماعها، ونواجه مخططاتها، ونتحدى سياساتها، ونرفض قيادتها لرأس المال العالمي، وتحريكها للسياسات المالية، وسيطرتها على البنوك الدولية، وتحكمها في مراكز القرار العالمية، وخلقها للأزمات المالية الدولية، وتلاعبها قديماً وحديثاً بالعروش والسيادات ومستقبل الحكام والرؤساء، ومصير البلاد ومستقبل الدول، وإن كنا نحن الأكثر خبرةً بالإسرائيليين، والأعلم بأحوالهم وشؤونهم، والأدرى بطبيعتهم، فليس مثلنا من يعرف الطبيعة الإسرائيلية، والجبلة الصهيونية، وتركيبة مجتمعهم، وحقيقة علاقاتهم البينية والخارجية، فنحن نعرف طريقة تفكيرهم، ومكنون نفوسهم، وحجم مؤامراتهم، وعمق أحلافهم، وسرية أهدافهم، ووحشية وسائلهم، وقذارة أدواتهم، ونحن نفهم لغتهم، ونسمع همسهم، ونحس بخفي حركتهم، وغريب تصرفاتهم، ونستطيع أن نفك طلاسمهم، وأن نتعرف على غرائب سحرهم، ومبهم كلامهم، وحقيقة أهدافهم، ونستطيع أن نتنبأ بأوقات اتفاقهم معاً، وساعات اختلافهم فيما بينهم، ونعرف أسباب الاتفاق والافتراق معاً. ونحن نعرف مدى حبهم للمال جمعاً وسيطرةً وهيمنة، ووسائلهم الملتوية في جمعه، وطرقهم الخبيثة في استدراجه، ونعرف المتعاونين معهم، والمستفيدين منهم، والمتآمرين على البشرية معهم، ونعرف طبيعتهم الجشعة، ونهمهم المتوحش، وتعطشهم اللامحدود للربا والإقراض المشروط والمذل، ومناهجهم في التوريط والإغراق، تمهيداً للسيطرة والاحتواء، ونطلع على أحلامهم وأمانيهم ومساعيهم، ونعرف الأهداف التي يتطلعون إليها، والغايات التي يأملون الوصول إليها، ونعرف من يقف معهم ومن يؤازرهم، ومن يؤمن بهم ويعتقد بقدراتهم، ومن يخشى بأسهم ويخاف سطوةِ نفوذهم، ومن يعمل لأجلهم ومن يقاوم مخططاتهم، ومن يتحالف وإياهم ومن يتآمر معهم، فقد أصبح الإسرائيليون أمام العرب عموماً والفلسطينيين تحديداً كتاباً مفتوحاً، نحسن قراءته، ونعرف كيف نقلب صفحاته، ونعرف كيف نعود إلى مراجعه وأصوله، كما ندرك حواشيه وتعقيباته، فقد اكتوينا بهم وتعذبنا على أيديهم، وعشنا مرارة الاحتلال، وقسوة السجن والسجان، فكان لزاماً علينا أن نعرف طبيعتهم، وأن نكون خبراء فيهم، وأن نقدم النصح لغيرنا عنهم، وأن نحذر العامة من خبثهم، وأن ننبه العالم لخطورتهم، وألا ينخدعوا بمظهرهم، وألا يصدقوا خطابهم، وألا يحزنوا على ما يدعون أنهم مصابهم، وألا يشعروا بعقدة الذنب تجاههم، فمذابحهم ضد الآخرين تفوق كل مذبحٍ اختلقوه، وتتجاوز كل محرقةٍ نصبوا لها أفرانهم وقذائفهم اللاهبة القاتلة. الإسرائيليون لا هَمَ لهم في الحياة إلا أموالاً يجمعونها، وجهوداً يسرقونها، وكنوزاً يسيطرون عليها، ومراكز قرارٍ يهيمنون عليها، ولا يبالون في سبيل الوصول إلى أهدافهم، بجياعٍ يسرقون منهم كسرة الخبز، ويقتلون لديهم الأمل في الحياة، وأطفالٍ يموتون وهم في أحضان أمهاتهم، وقد جف الحليب في صدورهن، وعجزن عن إسكات أطفالهن ومنعهم من الصراخ جوعاً وألماً، ومظلومين يزجون بهم في غياهب السجون، يفترون عليهم، ويخلقون لهم الأزمات، ويصنعون لهم الفضائح، ويضعفون نفوسهم بالرشا، ويهزون شخصياتهم بالمراكز والمناصب، ويستغلون قدراتهم في توظيفهم لصالحهم، وربطهم لخدمتهم، والعمل من أجلهم، ويسخرون المرأة لتحقيق أهدافهم، والوصول إلى غاياتهم، فهي عدتهم وآلتهم في غزو النفوس واقتحام المراكز والسيطرة على أصحاب القرار، وشعوبٍ يحتلون أرضها ويطردونهم من بلادها، ويسيطرون على خيراتها ومدخراتها، فلا توجد لديهم أخلاق الرجال، ولا شيم النبلاء، ولا سيما الشرفاء، فالمال لديهم غاية، والسيطرة عندهم هدف، والوسيلة لديهم مشروعة أياً كانت، ولا تأنيب للضمير عندهم إن سقط في طريقهم ضحايا ومظلومين، فالهدف لديهم أسمى وأكبر، والغاية عندهم أسمى وأغلى. ونحن نعرف مدى تدخلهم في المؤسسات المالية الدولية، وفي بيوت المال العالمية، ونعرف حجم نفوذهم في البنك الدولي، وسيطرتهم على صندوق النقد الدولي، وندرك قدرتهم ورغبتهم في التدخل في السياسيات المالية الإقليمية والوطنية، وتدخلهم السافر في شؤون الدول المالية والاقتصادية الخاصة، ونعرف وصفات الدواء الدائية التي يصرفها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للدول، والتي تزيد في التدهور الاقتصادي للكيانات السياسية والمالية، وتتسبب في تراجع قيمة النقد، وانهيار النشاط الاقتصادي العام، وهبوط حاد في حجم المبيعات والمشتريات، وتتسبب في خلق فجواتٍ كبيرة بين أبناء شعوب الدولة الواحدة، فتزيد في غنى الأغنياء إلى درجة الفحش، وتعمق فقر الفقراء إلى درجة السحق، وتخلق حالاتٍ من الكره والحسد وحب الذات، ونعرف أنها تتعمد التدخل في آلية عمل المؤسسات المالية الدولية، وفي السلم الوظيفي للعاملين فيها، وفي اتجاهات وميول كبار العاملين فيها، كما تتعمد إصدار التقارير والنشرات المالية الدورية، وإطلاق التحذيرات الوهمية، وتخويف الحكومات وإرباك عملها وتعطيل خططها وتجميد برامجها الإنمائية، لتدفعها للتضييق على المواطنين، ورفع الدعم عن السلع الأساسية والضرورية، وتخفيف مشاركتها في برامج الرفاهية والعلاج والتأمين، وتدعوها لتقليص الصرف على المرافق العامة، وتخصيص الشركات والمؤسسات العامة، ورفع الأسعار ، والامتناع عن تقديم الخدمات لعامة المواطنين وفقراء البلاد، والاكتفاء بجلب الخبراء والمختصين، والالتزام بدفع أضخم الرواتب لهم، كما اقترح مؤخراً طوني بلير مستشاراً اقتصادياً في دولةٍ آسيوية براتبٍ سنوي قدره ثمانية ملايين يورو، وذلك على حساب أفراد الشعب الفقراء.