يحاول هذا التقرير أن يلقي نظرة على مستقبل الدور العالمي لأمريكا من وجهة نظر خارجية ويتساءل كيف يمكن إعادة التفكير في قيادة أمريكا للعالم في سياق ذلك العالم المتغير. وقد خلص هذا التقرير إلى أن إدارة أوباما يجب أن تحدث نقلة نوعية لشحذ أمريكا لقواها وأن تمارس قيادة مباشرة في المناطق الأكثر احتياجًا لدور قيادي أمريكي، أما في مناطق أخرى فيجب على أمريكا أن تشارك القيادة مع الدول التي تشعر أمريكا أنهم يمكن أن يقدموا شيئًا موازيًا أو حتى أكثر مما يمكن أن تقدمه أمريكا، كما يجب على الولاياتالمتحدة أن تدعم المؤسسات الدولية التي بحاجة إلى رد فعل جماعي لا يقتصر على قيادة أمريكا، كما يجب أن تكون الولاياتالمتحدة مثالاً يحتذى حتى يتم تشكل هذه الاستجابة الجماعية. * تحديات أمام واشنطن تولى باراك أوباما الرئاسة في وقت تعرضت فيه العديد من دعائم القيادة الدولية الأمريكية إلى الضعف، فعلى سبيل المثال: - الفوضى التي خلفها الانهيار المالي الأمريكي أعطى مصداقية لأولئك الذين طالما انتقدوا مؤسسات واشنطن وتأكيدها على عدم وضع قيود على القطاعات المالية وعلى ليبرالية السوق ووصْف ذلك بأنه النموذج المثالي لإصلاح الاقتصاد القومي الأمريكي. وسوف يكون من الصعب إعادة تأكيد القيادة الأمريكية في القضايا المالية والاقتصادية الدولية في هذا السياق. - أصبحت الولاياتالمتحدة في أعقاب غزو العراق متورطة بصورة مباشرة في زعزعة استقرار الشرق الأوسط بدلاً من أن تكون قوة خارجية تساهم في أمنه واستقراره، وهذا يحد من قدراتها لقيادة الجهود الدبلوماسية في المنطقة. - نشر الديموقراطية الذي أطلقته الإدارات الأمريكية المختلفة في العقود الأخيرة تحول إلى الاتجاه المعاكس في أجزاء من العالم، مما شكك في قيادة الولاياتالمتحدة عالميًا كمنارة للديموقراطية. - تغيرت حالة القوة الأمريكية مقارنة بأهم اللاعبين الدوليين الآخرين مثل الصين والاتحاد الأوروبي، حيث ترغب قادة تلك الدول والمؤسسات بإعادة تعريف أنفسها طبقًا لمحددات التعاون الدولي المستقبلية. - ازدادت أعداد المنظمات الإقليمية الجديدة التي تحاول أن تستثني الولاياتالمتحدة، من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية، ولا يمكن تجاهلها - كما أن هناك الكثير من التحديات الجديدة للأمن العالمي في مواضيع مثل التغير المناخي وأمن الطاقة والإرهاب والفقر ومشكلات الصحة العالمية، ووجود قيادة عالمية واحدة لكل تلك القضايا لن يكون مثمرًا. مرونة القوة من المسلم به أن الولاياتالمتحدة ستظل هي القوة الأكبر المتفردة في العالم فيما يتعلق بوجود طموحات القيادة لديها بدون أي تحد من قوى ناشئة أخرى، خلاف الاتحاد الأوروبي ولكن بدرجة أقل، وأيضًا فيما يتعلق بالمصادر البشرية الأمريكية وثرواتها الهائلة وكذلك الديناميكية الاقتصادية الموجودة في سوقها ذي الحجم الكبير، كما أنها لا تزال وستظل لفترة طويلة صاحبة أقوى جيش في العالم، ولديها قدرة عالمية على الوصول إلى مختلف المناطق وكذلك لديها شبكة من التحالفات بدون منافس لها، كما أن الولاياتالمتحدة تستفيدة بصورة كبيرة من شركاتها العابرة للقارات والتي لا تزال قوية ولديها العديد من المؤسسات غير الحكومية ذات النفوذ الكبير، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى نشر النهج الأمريكي في مختلف أنحاء العالم. ولكن في المقابل لدى الولاياتالمتحدة ثقافة سياسية ونظام يعادي أية تنازلات فيما يتعلق بمصلحتها القومية وسيادتها، وهو ما يتطلبه العمل الجماعي لحل المشكلات العالمية، ولذلك فإن محاولة أوباما إذعان أمريكا للمبادرات الجماعية الدولية في العامين القادمين، والتي تبتنتها الدول الأخرى، يمكن أن يضيع جزءًا كبيرًا من الرصيد الشعبي لأوباما على الصعيد الداخلي. لذا فإن عالمنا اليوم يواجه أحجية تتمثل في أن التحديات العالمية الحالية تتطلب تعاونًا دوليًا وتحركات جماعية، كما أن تحقيق تقدم في علاج تلك المشكلات المعقدة يتطلب القوة الدافعة لأمريكا بقيادتها للعالم، ولكن الولاياتالمتحدة على الجانب الآخر كونت «أجسامًا مضادة» لأي دور قيادي من هذا النوع يتطلب تنازلات فيما يتعلق بسيادتها. مبادئ للقيادة المستقبلية: ترى كثير من شعوب العالم في أوباما الرئيس الأمريكي الذي يستطيع أن يتغلب على تلك التناقضات ويساعد أمريكا في تعديل دورها القيادي بما يتطلب مع مقتضيات هذا العالم الذي يتغير من حولها، وبالطبع ستكون تلك نقلة صعبة، فالولاياتالمتحدة حينئذ ستكون بحاجة إلى وسائل جديدة لاستخدام قوتها المنفردة وقدرتها في التأثير على الآخرين، وفي خضم ذلك كله ستكون الولاياتالمتحدة بحاجة إلى أن تكون أكثر قدرة على إحداث التغيير بدون أن تكون محفزة له. وإذا أرادت أمريكا القيادة ستكون بحاجة إلى أن تكون مثالاً يحتذى وليس عن طريق التدخلات، ولكن ماذا يعني ذلك عمليًا؟