أتابع عن كثب وبسعادة كبيرة ما تقدمه مجموعة من الشباب العربي المسلم من الجنسين مؤخراً من أعمال تدخل في دائرة الإبتكار والإبداع اللامحدود. فابتداءً من إنتاج الفيديوهات الساخرة على اليوتيوب والتي تحظى بنسبة مشاهدة خيالية وتنتقد ما يحدث في المجتمع بقسوة في بعض الأحيان مثل "عالطاير" و"لا يكثر" و "ايش اللي"، أو تلك التي تقدم جرعات ثقافية تُعنَى بالسلوك مثل "بدل ضايع"، مروراً بمعارض الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي التي تعكس اللمسات الفنية واللقطات النادرة وتسافر بنا لنستكشف سوياً معالم الجمال من حولنا التي وثقتها الريشة أو القُمرة أو الإثنين معاً، وانتهاءً بما أعتقد بأنه مشروع نهضوي بنكهة شبابية. هذا المشروع هو تجربة قام بها فريق شبابي أطلق على نفسه اسم "الفارابي" نسبة الى محمد الفارابي العالِم والفيلسوف والباحث ومؤلف كتاب "الموسيقى الكبير" أحد أهم المراجع في الموسيقى الشرقية، وتتلخص في تقديم أجمل القصائد العربية بقالب غنائي جميل يلمس الوجدان. عِشقُهم للموسيقى وما يتمتعون به من موهبة في العزف والتلحين، وخامة الأصوات الجميلة التي تدخل القلب بلا حواجز أو مقدمات، تأسرك حين تستمع لبعض الأعمال البسيطة التي قدموها. رؤية هذه التجربة دفعني للتفكير والتساؤل.. ماذا لو تحولت هذه التجربة الجميلة إلى مشروع ثقافي وفكري عملاق يهدف إلى النهوض بلغة الضاد باعتبارها مكونًا من مكونات الأمة ورمزاً لهويتها؟ وماذا لو استثمر "الفارابيون" موهبتهم في استعادة الثقة باللغة العربية والاعتزاز بها وإحياء العلاقة بينها وبين أبنائها؟ أليس من واجبنا أن نحافظ على كيان الأمة وألا نفرط في اللسان العربي القرآني الذي أصبح هزيلاً تغزوه العامية من جهة وتلتهمه اللغات الأجنبية من جهة أخرى؟! ولا أحاول بحديثي هذا التقليل من أهمية اكتساب لغات جديدة فهذا مطلب ضروري لا خلاف عليه، لكن شرط ألا يؤثر على لغتنا الأم فنصبح كالغراب الذي قلد مشية الطاووس. وأخيراً أقول بأن الأجمل من كل تلك الإبتكارات والإبداعات التي يقدمها شبابنا في مجالات عدة .. هو من يقدم تلك التجارب ويحمل على عاتقه فكرة نشر الأفكار الجميلة والبناءة التي تستحق التقدير والاهتمام .. وهو ما يفعله مؤتمر "تيدكس أرابيا" السنوي في نسخته العربية. هذا المؤتمر الذي سعدتُ بتلبية دعوة منظميه العام الفائت وأنتظر بشغف حضوره في التاسع والعشرين من هذا الشهر.. يقدمُ إنجازات شخصية ومبادرات ومواهب من جميع أنحاء العالم العربي ليتحدثوا عن تجاربهم الناجحة ويعرضوا أفكارهم التي تزرع الأمل في قلب كل من يحمل حلماً يريد تحقيقه. أليست كل تلك النماذج "إشراقة" حياة لغدٍ أفضل ؟. كاتبة ومذيعة