إن الشعر تعبير فني، وله خصوصيته التي تميزه عن بقية الأنواع الأدبية . والسلف يصنفون الشعر في الآداب فحسب، ويشعرون في لفتاتهم النقدية بأنه فن جميل، ويتسع مدى معرفتهم بعلاقته بأحد فروع الفنون الجميلة، وهو فرع الموسيقى . وتطور العلم البشري، واكتسب التصنيف العلمي دقة وتمحيصاً، فأدخلت الأنواع الأدبية - بما فيها الشعر - في الفنون الجميلة . وبما أن الجمال هو أعم ما يُصنف فيه الشعر : فإن علم الجمال ونظرياته هو أساس قيم الشعر النقدية . ومن أهم هذه العلاقات ما لم تتم هوية الشعر إلا به، وذلك هو المدد الموسيقي للشعر . فالشعر قدرة على الأداء الجميل لأي مضمون . والمضمون إرادة سلوكية فحسب تكون بالشعر وبالكلام العادي . والتفريق بين المضمون والشكل تفريق لغوي، وتفريق تجربة بشرية .. إنه تفريق مثلاً بين وإذا أراد الشاعر أن يعبر بلغة عربية، فمن شرط إرادته أن يحقق الصفة لشعره بأن يكون عربياً . والموسيقى جزء مهم من ماهية الشعر، وليس من الضروري أن تكون تلك الموسيقية هي معهودنا التراثي التاريخي ، فسلب الشعر موسيقيته تغيير لهوية الشعر، والخلط بين المتغايرات ليس من لغة العلم، ولا من سلوك عصر يحترم التخصص !. والجمود على المعهود الموسيقي تعطيل للملكة، وانصراف عن مسار جمالي يكتسب منه الشعر وجودة المعتبر . إذا لابد من الانطلاق بالشعر إلى مجاله الجمالي الأرحب المتدفق، لتكون عناصر التجديد للموسيقى في ذاتها عناصر تجديد في الشعر . وقد صارت الموسيقى هذا اليوم ذات ألحان ( كوبليهات ) ، وكان الموسيقار يتلطف في الانتقال من كوبليه بأنغام تدريجية حتى لا يصدم مشاعر الأذن، فاقتضى الأمر أن تلبي القصيدة هذا المطلب . إن الشعر فرع من فروع شجرة الفنون، إذ أن الشعر والتصوير والموسيقى جميعا فروع متآخية لهذه الشجرة . إلا أن للتصوير والموسيقى قواعد خاصة ، أما الشعر، فلا، وهذا يجعلنا نحكم على الشعر بأذواقنا، ليس بمعايير وقواعد ثابتة، اللهم إلا من عناصر الشعر الأساسية . فالشاعر لا يجسم الصورة في وضع معين، بل هو يحركها في أوضاع مختلفة تسعفه في ذلك لحظات الزمن المتتابعة التي يصور فيها صورته وهي صورة تنبض بالحياة وبالعواطف البشرية، ليس صورة جامدة . والشاعر لا يعرض الجمال المادي بل يعرض أثره فيه، فيعمد إلى التشبيه والاستعارة والإثارة بطرق مختلفة ، فهو يستعين بما يثير فينا من انفعالات، بموسيقى تنبع من اختيارات الشاعر لكلماته وما بينها من تلاؤم في الحروف والحركات، وهذه الموسيقى هي التي تنقل أحوال الشاعر الوجدانية وخواطره النفسية . يعتمد الشعر على عناصر جمة، أهمها : الوزن والقافية، وذلك في كل أنواع الشعر العربي : القديم والموشح والحديث أي المرسل . وقد حاول البعض الإبتعاد عن القافية في العصر الحديث، فوضع توفيق البكري قصيدة بدون قافية وسماها " ذات القوافي " ثم تلاه الزهاوي وعبدالرحمن شكري ، فألفا غير قصيدة من هذا النمط المرسل، ولكن ذلك أثبت فشله لأنه شذوذ على أذواق العرب ، ولأنه يصدم الأذان إذ تتخالف النعمات في الأبيات . . فلم تستسغ الأذواق العربية هذا الضرب الجديد من الشعر لأنه يفقده لذة السماع كما يفقدها لذة القراءة . لذلك انصرف عنه الناس وانصرف الشعراء أنفسهم عنه، فقد ثبت فشله فشلا ذريعا . . وفي هذه الأثناء كان مطران والمازني والعقاد يقومون بمحاولات جديدة لا تستمر فيها القافية استمرارا ولا تلغى كل الإلغاء، بل تلتزم في مقطوعات متساوية قد تكون بيتين أو أكثر مع اتحاد الوزن، وبذلك توسط المجددون بين الشعر المرسل والشعر المقفى، فأرضوا الأذن من جهة وطوعوا القصيدة من جهة ثانية لأن تطول . فقد صاحب ذلك بروز أنماط أدبية خرجت على عمود الشعر الخليلي باسم قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر أولا، ثم القصيدة النثرية أو الشعر المنثور أو النثر المشعور .. إلى آخر الأنماط التي تصدرت الساحة الأدبية مؤخراً دون أن تكسب شرعية الشعر العمودي أو تتفوق عليه شعبية . ويؤخذ على الطريقة الحديثة هذه، أنه ينبغي أن لا ينتهي معه الانسجام الموسيقى التام ولا التماسك الصوتي وإلا كان هذا الشعر ضربا جديدا من النثر، ولم يكن شعرا بأي شكل من الأشكال . ومن عناصر الشعر أيضا ( غير الوزن والقافية ) ما يكمن فيه مهارة الشاعر وذلك بملائمته الدقيقة بين ألفاظه ومعانيه بحيث لا يطغى فيها جانب على الآخر ، فليجدد شعراؤنا في مضمون قصائدهم كما يريدون ، ولكن ، ليصوغو ذلك في صياغة تروق القارئ أو بعبارة أدق : ليكن من أهم أهدافهم أن لا يقعوا بعيدا عن الصياغة الفنية . إن المشاعر والمعاني والألفاظ والإيقاعات الموسيقية تتولد في نفس الشاعر وتنبثف فيها وحدة تعمها من بداية القصيدة إلى نهايتها في توازن دقيق وسياق محكم . وأهم عناصر الشعرهي الوزن وموسيقاه والقافية والمعاني والألفاظ والصياغة والتشبيهات والإستعارات .