كنت استمع قبل أيام في البرنامج الثاني بإذاعة جدة في استطلاع جميل حول ظاهرة التسول والتي يشاهدها سكان جدة على مدار الساعة، وذلك بجانب إشارات المرور ومداخل السوبرماركت الغذائية، من ما خلقت تشويه بشع لجماليات عروس البحر.. وقد شاهد جميعنا أو صادف متسول بائس أو يدعي البؤس خصوصاً لو كان عضواً في شركة مخصصه للتسول! ولا غرابة في هذه الظاهرة، والتي نشاهدها كلما خرجنا من منازلنا في الذهاب إلى عملنا الإلزامي أو لقضاء حاجة، لكن ما أعنيه في هذه الأسطر.. تسول غريب عجيب ومدهش! وقد تذرف له دموع الضمائر المرهفة والرقيقة. فهو لا يطلب فيه المأكل والمشرب والمال لسد جوعه..بل يتسول ليطلب الحنان والحب ونظرة الإشفاق والعطف من الآخرين.. وكأنه هو الوحيد في العالم الذي يعاني من المشاكل والهموم.. لا تلبث أن تسأله عن حاله حتى يبدأ بالشكوى والتذمر .. ويصور حياته وكأنها عذاب لا يطاق.. وهي في الواقع ليست تماماً كذلك.. بل فيها الحلو وفيها المر..! أغلبنا إن لم يكن جميعنا قد عانى من مشاكل وهموم أو مازال يعاني.. ولكن هذا ليس دافع وسبب لأن نبقى أسيرين لهما.. بل الحياة مستمرة ولا يجب أن نقف عند مرحلة معينة ونعلن انهزامنا وسقوطنا.. ربما يرى البعض أنني قاسي في كلامي ونقدي لهذا المتسول.. وأنني أنكر الحاجة الداخلية في نفس كلاً منا للحب والحنان.. بالعكس أنا لا أنكر هذا الشعور.. بل أنا ضد سيطرته علينا حتى نصل إلى مرحلة استجدائه من الآخر ونجد المتعة في ذلك.. وذلك بتصوير حياتنا وكأنها كهف مظلم لا يتسع لذرة من نور فقط من أجل بضع كلمات دافئة.. ومواساة ربما تكون مصطنعه أغلبها ليست حقيقية ..! ومن أشخاص يعتبرون عابرين في حياتنا... والأدهى أن نكون نعرف في قرارة أنفسنا أنهم يجاملوننا بكلامهم ومواساتهم وربما يتحايلون أيضاً.. ولكن أصبحت عندهم عادة يشعرون من خلالها براحة ولذة لحظية..! أليس هذا نوع من جحود النعمة.. التي أنعم الله بها عليه! أليس هذا فيه إهدار لكرامته.. لدرجة تصل إلى امتهانها في بعض الأحيان! أليس هذا سبب لنفور من يلجا لهم منه.. لأنهم سيسمعون نفس الكلام وكأنها اسطوانة تحتاج فقط لمن يديرها حتى تبدأ! فقد توقفت كثير في سؤال يحرضني دائماً وخاصة عندما أنصت لكل شخص من هذه الشاكلة، يملئ علي بكلماته الحزينة وهو يبكي على حرمانه العاطفي. - لماذا يلجا الإنسان الى تشويه صورته وشخصية وكأنه عاجز وضعيف؟.. حيث يتناسى قول عز وجل " ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ". هذا المتسول الذي سرق ضمائرنا أخي القارئ , هل أنت معه أو ضده في هذا السلوك الغريب العجيب؟