ثمان وسبعون سنة نحتفل بذكرى مرورها هي مسيرة المملكة المضيئة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود مروراً بأبنائه البررة الذين تعاقبوا على الملك بعده، وإعلاء هذا الصرح الشامخ وصولاً إلى الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، الذي عرفت المملكة خلال عهده مرحلة من الازدهار والنهضة الشاملة في مختلف الميادين وسلم الأمانة مطمئناً، إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، الذي يحمل الراية خفاقة ويقود البلاد بعقل نير وقلب كبير . وعمر المملكة لا يقاس بتلك السنوات، بل بالقفزات الكبرى التي تحققت خلالها في مختلف الميادين الاجتماعية والعلمية والصناعية والصحية والتكنولوجية، وبالحضور الفاعل الذي اكتسبته على الصعيد الدولي، وذلك ناتج عن تصميم القيادة السعودية وإرادتها والتلاحم المتين القائم بين السلطة والشعب الذي عزز الروح الوطنية وشعور الانتماء، وأكسب الوطن مناعة وحوافز على طرق باب المستقبل بكل قوة وثبات . ونتحدث اقتصاديا فالمملكة شهدت ومازالت منذ بداية العام الجاري إصلاحات اقتصادية جذرية مهدت الطريق لانضمامنا لعضوية منظمة التجارة العالمية والتعامل مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، إضافة إلى إنجازات سواء على صعيد تعديل الأنظمة والتشريعات القائمة المنظمة للعمل التجاري والاستثماري أو على صعيد تدشين مدن صناعية جديدة تؤهل المملكة لتبوؤ مكانة مرموقة على خارطة الاقتصاد العالمي . الانضمام لمنظمة التجارة العالمية قبل أن نتطرق لآثار انضمام المملكة للمنظمة على الاقتصاد السعودي نؤكد على أنه لن تكون هناك صعوبة كبيرة بالنسبة للاقتصاد السعودي في التكيف مع النظام الجديد الذي يفرضه الانضمام، إذ إن الاقتصاد السعودي يتحرك وفقاً لقوى السوق كما لا تتعارض أنظمته مع قواعد واتفاقات المنظمة، وتأهل السوق السعودي يرجع في المقام الأول لإعداد السوق السعودية خلال السنوات الماضية الإعداد الجيد في : دخول المملكة الجاد منذ مطلع التسعينيات في عملية الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، وذلك بخصخصة العديد من المشروعات العامة وإجرائها تحريراً تدريجياً للسوق السعودية . كما أن عضوية المملكة في مجلس التعاون الخليجي أمدت السوق بضريبة جمركية لا تزيد على 5 ٪، وهو مستوى أدنى بكثير من السقوف المعمول بها في المنظمة الدولية، وهذا يعني أن السوق السعودية تعتبر منفتحة بالفعل على الخارج . إنشاء العديد من المجالس والهيئات القومية للمتابعة الجادة في عملية الإصلاح، وفي مقدمتها المجلس الاقتصادي الأعلى والمجلس الأعلى للبترول والمعادن والهيئة العامة للاستثمار . . إلخ . بصفة عامة فإن انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية سوف يساعد في زيادة اندماج الاقتصاد السعودي في الاقتصاد العالمي، ويساهم كذلك في زيادة الاستثمارات الداخلية والخارجية، وإيجاد فرص عمل أكبر للمواطنين السعوديين، بالإضافة إلى زيادة قدرة المنتجات والخدمات السعودية على الوصول إلى الأسواق العالمية . ونعرض فيما يلي لأهم الفرص التي يمكن أن تواجه الاقتصاد السعودي من جراء الانضمام لمنظمة التجارة العالمية : زيادة فرص النفاذ للأسواق الخارجية، حيث سيكون من حق الصادرات السعودية من السلع والخدمات النفاذ إلى أسواق الدول الأعضاء في المنظمة والتمتع بمعاملة لا يشوبها التمييز وفق مبدأ الدولة الأولى بالرعاية . كما ستتمتع الصادرات السعودية بمعاملة لا تقل عن تلك التي توفرها الدول الأعضاء لمنتجاتها المحلية، وذلك تطبيقا " لمبدأ المعاملة الوطنية " إلا أن هذه الميزة تفرض في المقابل تحدياً يتمثل بأن منتجات الدول الأخرى الأعضاء ستحظى بذات المزايا في السوق السعودي، وهو ما سيخلق ضغوطا على المنتجات الوطنية، ومن ثم يلزم الاستعداد لمواجهتها بسوق أكثر كفاءة ومنتجات أكثر تنافسية . انفتاح السوق السعودية سيوفر حافزاً للمنتجين ليصبحوا أكثر كفاءة على مواجهة ما تفرضه الواردات من تحديات، كما أن المستهلكين المحليين سيتمتعون بفوائد الأسعار التنافسية والسلع ذات النوعية الجيدة، وبفرص الاختيار من بين تشكيلة واسعة من المنتجات " مبدأ سيادة المستهلك " . سيؤدي تطبيق الاتفاقية المتعلقة بالاستثمار إلى خلق الظروف المواتية لجذب التدفقات الاستثمارية . من المتوقع أن يكون قطاع الخدمات في مقدمة القطاعات التي قد تتأثر بالانضمام للمنظمة حيث تم رفع حصة الشركاء الأجانب في البنوك التجارية السعودية إلى ٪ 60 مع السماح لهم بتأسيس شركات تأمين تعاونية، لذا يلزم تكثيف الجهود نحو تنمية هذا القطاع بتشجيع الاستثمار الأجنبي في هذا المجال، وتشجيع البنوك التجارية العاملة في المملكة على تحديث استراتيجياتها وهياكلها وحثها على الاندماج فيما بينها لمواجهة تحدي الانفتاج والمنافسة مع البنوك الاجنبية . إن عضوية هذه المنظمة ستدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الناجح الذي تضطلع به المملكة حالياً، كما أنها تمثل ضمانة تؤكد أن هذا التوجه لا عدول عنه إلا أنه سيفرض تحدياً آخر وهو تحديث المؤسسات الحكومية القادرة على ضمان نجاح عملية الإصلاح وصبها في مصلحة الاقتصاد السعودي . مشروعات للنفط والغاز تعزز موقع المملكة كمورد رئيسي للطاقة في العالم دشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مشروع تطوير الغاز الطبيعي والزيت في حرض الذي يعد أحدث إسهامات شركة أرامكو السعودية لتوسيع قاعدة الصناعة بالمملكة ودعم قدرتها الراسخة في تزويد العالم بإمدادات موثوقة من الطاقة . ويتكون المشروع العملاق من معمل للغاز بطاقة 1٫ 6 مليار قدم مكعبة قياسية في اليوم، ومعمل لفرز الغاز عن الزيت بطاقة 300 ألف برميل في اليوم . ويعمل بالمشروع أعداد كبيرة من السعوديين حيث حقق المشروع معدلات سعودية غير مسبوقة في جميع مراحل تنفيذه إذ كان جميع العاملين في إدارة الإنشاء تقريباً من السعوديين، كما أن جميع موظفي معمل الغاز ومعمل فرز الغاز من الزيت الحاليين هم من السعوديين . ويعد معمل الغاز الطبيعي في حرض المعمل الثاني لأرامكو ويقوم بمعالجة الغاز غير المرافق للزيت حيث صمم لمعالجة 1٫ 6 مليار قدم مكعبة قياسية في اليوم من مزيج خام من الغاز . والمعمل الجديد يزود شبكة الغاز الرئيسية بكمية تبلغ 1٫ 5 مليار قدم مكعبة قياسية من غاز البيع ويخدم المشروع العديد من الاحتياجات التنموية وحركة التصنيع في المملكة بما فيها 10 مجمعات صناعية في الرياضوالجبيل وينبع . وينتج المعمل نحو 170 ألف برميل من المكثفات في اليوم حيث يتم نقلها إلى معامل بقيق عن طريق خط أنابيب كما يقوم المعمل بمعالجة 90 طناً مترياً من الكبريت في اليوم حيث يزال منه الغاز وينقل إلى معمل الغاز في بري وعندما يتم تفريغ الكمية تضخ إلى معمل تحويل الكبريت إلى حبيبات في المجمع الصناعي في الجبيل للتصدير، وبهذا انضم معمل حرض إلى مشروع غاز الحوية الذي دشنه خادم الحرمين الشريفين في أواخر 2002 ضمن شبكة آبار مترابطة تغذيها 87 بئر غاز عميقة، وفي جانب المشروعات الأخرى ذات العلاقة بالنفط والغاز وضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حجر الأساس لمنطقة الصناعات الغربيةبالجبيل الصناعية " الجبيل " 2 والتي من المتوقع أن ترفع إجمالي الاستثمارات إلى 463 مليار ريال بجذبها ل210 مليارات ريال من الاستثمارات المحلية والأجنبية، كما افتتح ودشن 26 مشروعاً حكومياً وخاصاً تقدر تكاليفها الاستثمارية بنحو 64 مليار ريال . كما وضع حفظه الله حجر أساس المدينة الصناعية الجديدة " ينبع2 " التي يتوقع اكتمال إنشائها عام 2020 بعد أن تستثمر الهيئة الملكية للجبيل وينبع فيها نحو 12 مليار ريال مستقطبة بذلك رساميل قدرت بأكثر من 112 مليار ريال تستثمر في مستويات خدمية وتجارية وصناعية لتدفع بأكثر من 250 صناعة أساسية وثانوية وخفيفة . كما دشن خادم الحرمين الشريفين مدينة ينبع 2 ووضع أحجار أساس مشروعات باستثمارات تزيد على 50 مليار ريال، تختص الشركة السعودية للصناعات الأساسية " سابك " بنحو 28 ملياراً منها، وتعود استثمارات قدرت بأكثر من 3 مليارات ريال إلى الهيئة الملكية للجبيل وينبع، فيما تتوزع استثمارات بنحو 14 مليار ريال على مشروعات تتبع للقطاع الخاص . قطاع البترول وعلى صعيد قطاع البترول والغاز فقد ساهمت صناعة النفط في بناء النهضة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها المملكة حالياً، إذ تعد صناعة الزيت في السعودية واحدة من أضخم صناعات الزيت في العالم، وتستند هذه الصناعة إلى تفرد المملكة بأكبر احتياطي نفطي في العالم والذي يقدر رسميا بنحو 263 مليار برميل وبما يوازي 265 من الاحتياطي العالمي بحسب أكثر التقديرات الرسمية تحفظاً، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية تمكنت المملكة من اكتشاف احتياطات جديدة تساوي في حجمها ما أنتجته المملكة من النفط بما يعني عدم المساس بإجمالي الاحتياطات الموجودة، بالإضافة إلى ذلك فإن جميع المؤشرات تدل على أن أراضي المملكة تحتوي على كميات كبيرة إضافية من احتياطات النفط تفوق ما تم اكتشافه حتى الآن، وفي جانب المشروعات المستقبلية للنفط أكدت تقارير اقتصادية سعودية أن تكاليف مشروعات أرامكو لرفع الطاقة الإنتاجية من النفط السعودي ستصل إلى نحو 52٫ 5 مليار ريال مع اكتمال مشروعات التوسعة في الإنتاج 2009م . السياسة البترولية السعودية تنطلق السياسة البترولية السعودية من موقع المملكة في السوق البترولية باعتبارها تملك أكبر احتياطي ثابت وجوده في العالم حيث يشكل أكثر من ربع الاحتياطي العالمي وباعتبارها أكبر منتج ومصدر للبترول، وأيضاً من دور البترول وإيراداته في الاقتصاد الوطني السعودي حيث يشكل قطاع البترول أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي وتشكل إيراداته حوالي ثلثي الإيرادات العامة، لذلك تهدف سياستها إلى تحقيق الاستقرار في الإيرادات من البترول بما يخدم أهداف تنمية الاقتصاد الوطني وتنويعه والمحافظة على حصة البترول في استهلاك الطاقة واستمرار النمو في الطلب . كما تسعى المملكة إلى استقرار السوق التبرولية بما يخدم الدول المنتجة والمستهلكة ونمو الصناعة البترولية مع عدم الإضرار بنمو الاقتصاد العالمي، وعملت السعودية على طمأنة الدول المستهلكة باستمرار الإمدادات عن طريق التدخل لتعويض أي انقطاع طارئ في الإمدادات وقامت من أجل ذلك ببناء طاقة إنتاجية عالية منها أكثر من مليوني برميل يومياً غير مستغله لغرض مقابلة ذلك الاحتمال . وقامت أيضاً بالمشاركة في محطات تكرير البترول في الأسواق الرئيسية وبناء أسطول ناقلات ضخم لغرض ضمان استمرار تدفق الزيت إلى تلك الأسواق . كما تدعو السعودية دائما إلى إنهاء المعاملة التمييزية للبترول في الأسواق الرئيسية عن طريق خفض العبء الضريبي على المنتجات لكي ينمو الطلب بشكل طبيعي وتنمو تجارة البترول بين الدول لما فيه سلامة الاقتصاد العالمي . مشروعات الغاز أما قطاع الغاز فبدأ يشهد أول البوادر الفعلية للاستثمار في مشاريع التنقيب عن الغاز في صحراء الربع الخالي على مساحة إجمالية قدرها 330 كيلومترا مربعا من قبل 6 شركات عالمية أبرمت 4 اتفاقيات للتنقيب والاستكشاف والإنتاج وتجسد مبادرة الغاز التي أبرمتها السعودية مع الشركات العالمية فلسفتها القائمة على تطوير واستغلال الغاز بطريقة فعالة من خلال استثمارات مستهدفة من جانب الحكومية، والمستثمرين المحليين والأجانب في هذا القطاع من خلال قواعد تنظيمية ومالية مناسبة وفعالة . ويتوقع أن تنفق هذه الشركات استثمارات سنوية تقارب المليار ريال، وذلك على مدى 5 سنوات مقبلة التي ستشهد بداية اعمال التنقيب الأولى عن الغاز، كما ستصل الاستثمارات خلال الفترة كاملة إلى ما يقارب 5 مليارات ريال، وهي استثمارات مبدئية سيتبعها استثمارات هائلة في حالة تم التوصل إلى نتائج إيجابية لتوفر الغاز . وتتطلع الأوساط البترولية أن تساهم مشاريع الغاز الجديدة في مضاعفة الطاقة الإنتاجية من الغاز إلى 14 مليار قدم مكعبة يوميا مع حلول عام 2025 مقارنة ب 7 مليارات قدم مكعبة من الغاز قبل إبرام الاتفاقيات، آخذة بالاعتبار الاحتياطيات الضخمة من الغاز والمقدرة بنحو 219 ترليون قدم مكعبة، وذلك لتلبية حجم الطلب المحلي المتوقع من الغاز لاستخدامه في توليد الطاقة الكهربائية، وإنتاج المياه المحلاة، فضلا عن التوسع في الصناعات البتروكيماوية . وينتظر أن تسهم المشاريع الجديدة، في توفير فرص عمل مباشرة لنحو 35 ألف عامل وذلك قياسا على حجم العمالة الحالي التي توفرها مشاريع الغاز القائمة، فضلا عن أضعاف هذا الرقم لفرص العمل غير المباشرة التي يمكن أن تولدها تلك المشاريع لأعمال الخدمات والمساندة، وذلك لأن الاتفاقيات المبرمة مع الشركات اشترطت شغل %65 من الوظائف خلال السنوات الأولى من مرحلة التشغيل بكوادر سعودية، على أن ترتفع هذه النسبة إلى %75 مع اكتمال السنة الثالثة من بدء التشغيل . ولا تقتصر الثروة الغازية المتوقع استغلالها في السعودية على المواقع التي تمت ترسيتها فقط، بل توجد مواقع أخرى قابلة للاستكشاف في مناطق غرب، وشمال، وشرق ووسط البلاد، إلا أن الحكومة السعودية ارتأت طرح المواقع المحددة في الاتفاقيات التي أبرمت مؤخرا مع الشركات العالمية، والتريث إلى حين ما ستسفر عنه نتائج التنقيب والاستكشاف قبل الانتقال إلى مواقع أخرى . قطاع البتروكيماويات كما ساهم قطاع الغاز في توسيع الصناعات البتروكيماوية المحلية التي باتت مفتاح النمو الصناعي الذي تستهدفه السعودية . وتملك المملكة مقومات هامة لنجاح هذه الصناعة تتمثل في الفائدة النسبية في قيمة المواد الخام، ووجود مناخ استثماري جذاب، إذ بلغ الإنتاج البتروكيماوي السعودي %5 من الناتج الإجمالي العالمي، ووصلت الصادرات البتروكيماوية السعودية إلى8%