صدر للاستاذ (أحمد بن حامد المساعد) رئيس النادي الادبي بالباحة سابقاً.. كتاب (بين هؤلاء عشت) في 165 صفحة من القطع المتوسط.. وقد روى فيه المؤلف جملة من المواقف الكثيرة التي صادفته في حياته العامة، وقدمها في اسلوب ادبي شيق، وبعبارة خفيفة رشيقة، وفي سرد متوال، لا يمل منه القارئ، بل يظل يسبح فوق صفحات الكتاب مستغرقا، في تلكم الروايات التي نثرها المؤلف، الذي كان بالاصل قد نشأ يتيماً وعاش عصامياً ولم يتمكن وسط مكادحة الحياة من الحصول على شهادة رسمية، بل كانت بضاعته كما قال "قشرة الثقافة التي اكتسبها من العمل في الوسط الصحفي". بدأ المؤف اولى حكايات ومواقف الذين عاش معهم بزيارته للدكتور هاشم عبده هاشم برفقة صديقه الاستاذ علي السلوك، لكي يهدي له نسخة من ديوانه "للقوافي شجن" باعتبار الدكتور هاشم صديقا له على مدى ربع قرن في صحف ومجلات الرائد والبلاد والرياضي، وعندها اقترح عليه الدكتور هاشم ان يكتب تاريخ المسيرة الصحفية او جانباً منها كذكريات لفترة بدأت من منتصف السبعينيات من القرن الهجري الماضي، ووجد المؤلف في نفسه هوى لخوض تجربة التدوين هذه، مبتدئاً بالحديث عن نقطة انطلاقته على الحياة، من بلدته قرية بني والبة الوادعة في حضن جبل القصا بوادي كبير ببلاد غامد بمنطقة الباحة. وتحدث المؤلف عن اول رحلة له الى الرياض وهو في سن الثانية عشرة من عمره، قسوة واهوال الطريق فوق عربة "الفورد" القديمة، الى ان عمل في فرن للتميس بالرياض براتب شهري (120) ريالا من الفضة، ثم بعد عام كامل كان قد جمع الفاً ومئتي ريالا من الفضة ليعود الى القرية بهدف الحصول على الشهادة الابتدائية، الى ان قرر السفر من جديد في رحلته الثانية في حياته، ولكن هذه المرة الى جدة، حيث يقيم خاله سعد المساعد، والتحق بمطابع الاصفهاني بعد ان قبله صاحبها الاستاذ المرحوم محمد حسين الاصفهاني موظفا جديدا، بمعاش شهري قدره مئة ريال، وكان عمله في البداية مراقبة حركة الآلات وهي تنقل الورق، فبدأ يقترب من الصحافة من خلال طباعة جريدة البلاد في الاصفهاني، متحدثاً عن دور الشيخ ابو تراب الظاهري في تعليمه الكثير من فقه اللغة العربية باعتبار ابا تراب من الضليعين في اللغة. قصص كثيرة سردها المؤلف لا تكفي هذه المساحة القرائية للكتاب للاحاطة به، لكنها في عمومها كانت تجربة شاب قروي، تتلبسه صلابة جبال السروات التي جاء منها و جماليات وابداع هوائها وارضها ووديانها الخضراء، لكن اللافت في كتاب "بين هؤلاء عشت" ان احمد المساعد قد اورد كماً كبيرا من الاسماء المعروفة في دنيا الفكر والثقافة والمجتمع في بلادنا، مما يشير الى ان الرجل قد عاش وتعايش وتمازج مع اولئك جميعاً، فقد جالسهم وسمع منهم، وتحدث لهم، وهو بالتأكيد مما خلق في داخله قدرا وفيرا من الفكر والوعي وسعة الافق. فقد تحدث في كتابه عن شخصيات معروفة، ومن أولئك كمثال لا كحصر الاستاذ محمد حسن زيدان، وعبدالقدوس الانصاري، والامير ابراهيم آل ابراهيم وعبدالله جفري وعبدالفتاح أبو مدين وعبدالمجيد شبكشي واحمد صلاح جمجوم والعواد واحمد محمود ود. ابراهيم الزيد ومحمد العلي وعلي الدميني وآخرون كثر جدا. وفي كل الاحوال فقد رأيت في الكتاب صورة بانورامية لجزء مهم من تاريخ الطباعة والصحافة ورجالاتها منذ اكثر من 70 سنة مضت، رواها المؤلف في سرد متوال، ووثق بها حقبة مهمة من حقب صناعة الكلمة في المملكة العربية السعوديةن منذ صحافة الافراد، وحتى صحافة المؤسسات، واتيحت للمؤلف فرصة العمل في جدة، ثم في مكةالمكرمة وبالقرب من جريدة الندوة التي كتب فيها مقالا صحفيا منتظما لعدة سنوات، كان يراها (حقبة اثيرة في مسيرتي الحياتية). الى ان عاد الى الباحة مديرا لمكتب جريدة المدينة فكان اول مكتب وكان المؤلف او مديرا، ثم عنت له فكرة اقامة اول مطبعة في منطقة الباحة، ثم تحدث المؤلف عن زيارة الى ايطاليا، الى ان انشأ اول مكتب للعلاقات العامة بإمارة الباحة، الى تعيينه اميرا لبلده باللسود بالباحة، الى ان ترأس النادي الادبي بالباحة. وقد ضمن المؤلف كتابه عدة خطابات تقدير تصدرها خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بشكره حفظه الله للمساعد واعضاء مجلس ادارة النادي الادبي بالباحة على جهودهم في اقامة ملتقى الباحة الادبي الاول، ثم خطاب شكر من معالي الدكتور غازي القصيبي ومن اسامة السباعي وعبدالمقصود خوجة وعبدالعزيز مشري ومن آخرين. غير انني شخصيا وددت لو قام الاستاذ المساعد بعنونة وتقسيم كتابه الى فصول، بحيث كان تحت كل عنوان اسم من الاسماء التي تعامل معها، فإن ذلك في ظني ربما كان اكثر سهولة للقارئ في الوصول الى المعلومة، او لو انه قسم الكتاب الى حقب تاريخية معينة، وعلى اية حال فهذا رأيي الذي لا يقلل من قيمة هذا الكتاب التاريخي التوثيقي المبدع من كاتب معاصر وشاهد على العصر الذي شهد جانبا مهما من بدايات الفكر المحلي السعودي.