على مدى الاسبوعين الماضيين قدمت جمعية الثقافة والفنون فرع جدة مسرحيتها الاكاديمية الناجحة " الفنار البعيد " وهي من تأليف واخراج المخرج السعودي الاكاديمي محمد الجفري وبطولة النجم خالد الحربي والفنان احمد الصمان وسالم باحميش . ففي الاسبوع الاخير من شهر شعبان المنصرم قدمت المسرحية على خشبة مسرح امانة جدة في ابرق الرغامة وحضر العرض حضور متوسط من المسرحيين وافراد الفرق الخاصة للاستفادة من هذا العرض النموذجي الاكاديمي كما حضر العرض بعض من اعضاء مجلس ادارة جمعية المسرحيين السعوديين حيث مثلتهم الدكتورة ايمان التونسي والتي ابدت شديد اعجابها بفكرة العمل وراء الممثلين وبالعرض المسرحي بشكل عام كما اجتمعت بالمخرج وفريق العمل بعد انتهاء العرض وشدة على ايدي الجميع واستغربت وجود اكاديمي مثل الجفري بمدينة جدة لا تعلم عنه شيء من قبل؟ ! وبالطبع تلك ليست مشكلة تخص المخرج المخضرم . وفي الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك تم تقديم " الفنار البعيد " في مدينة الدمام بدعوة كريمة من ادارة جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام حيث حضر العرض الذي قدم يوم الخميس الرابع من شهر رمضان الجاري على خشبة مسرح جمعية الدمامالجديدة وعدد كبير من المسرحيين بالمنطقة الشرقية وعلى رأسهم الاستاذ عبدالعزيز السماعيل مدير الجمعية بالدمام والفنان راشد الورثان رئيس لجنة المسرح بفرع الدمام والمخرج السعودي الاكاديمي هشام الافندي والمؤلف المسرحي المعروف عباس الحايك والمخرج الشاب محمد الحلال وعدد كبير من اعضاء الفرق الخاصة والجمهور المسرحي المهتم والصحافة الفنية كما حضر العرض الاستاذ عبدالله باحطاب مدير فرع الجمعية بجدة وبنظرة سريعة عل تركيبة مسرحية " الفنار البعيد " نجد ما يلي : اختيار الشخوص : كان المخرج موفقا في اختيار ممثليه من ناحية البعد النفسي والمادي وكذلك من ناحية التوافق والهرموني في الاداء فقد قدم الفنان خالد الحربي واحمد الصمان اشبه بمقطوعة موسيقية على خشبة المسرح اما الممثل سالم باحميش فقد كا موفقا في تقمص شخصية المهرج او البلياتشو العبثية التي ربطت اجزاء المسرحية بصورة مبتكرة . الأداء التمثيلي : رغم سهولة رسم الحركة وعدم التعقيد فيها الا انها كانت معبرة ومقنعة ولا تحتاج الى زيادة بل ان المخرج ترك لممثليه مساحة من الحرية للتعبير الحركي التلقائي الابداعي وهذا ما عبر عنه في كلماته في قوله " السهل الممتنع " واطلع " البلياتشو " كل امكانياته الابداعية والجسدية في طول القاعة وعرضها متحدثا الى الجمهور بكل ما يجول في خاطره وظل طائر النورس يغرد حبا للجميع . الديكور المسرحي : كان الديكور يعتمد على الرمزية بشكل كامل وكانت السلالم رغم تكوينها الذي يوحي باستدارة مبنى الفنار كان لها دور درامي طوال مدة العرض اضافة الى جميع المكونات والاكسسوارات المكملة للديكور المسرحي العملي المستوحى من مدرسة المسرح الفقير والذي كان متناسقا مع الحركة المسرحية للممثلين البعيد كل البعد عن التعقيد اضافة الى جهاز الارسال الذي اعطى الشكل العام الكثير من المصداقية . العقدة الدرامية : بالرغم من العبثية التي كتبت بها الحدود المسرحية والرمزية التي غلفت اجزاء العمل والمدرسة الخاصة بالمسرح الفقير التي فرضت نفسها على التكوين الكلي للعرض المسرحي خاصة فيما يتعلق بديكور والسينوغراميا الا ان العمل وصل للجمهور بكل وضوح وبساطة وكما اراد مؤلفه " السهل الممتنع " وتمتع العرض بأسلوب لذيذ ما بين الشد والارتخاء والاخذ والعطاء خاصة في الحوارات الساخنة ما بين تاجر السلاح وتاجر الموت وكذلك الديالوجات الخاصة بالبلياتشو المثير ذو الكلمات المضحكة والباكية بنفس الوقت . الحبكة المسرحية : بالطبع وكما سبق الذكر ان " الفنار البعيد " مسرحية رمزية يتخللها الكثير من العبثية وتقوم العقدة الرئيسية للعمل على شخصين نجا من حادثة غرق سفينة سياحية وعند لجوئهما الى فنار قديم بأحد الجزر النائية يكتشفان انهما قد حجزا هذا الفنار بعد ان اغلق احدهما باب الفنار فيرغب كل واحد منهما ان ينفرد بالمكان لوحده ويصبح الموت هو هاجسهما المشترك وبالرغم من فروقات تكوين الشخصيتين الا انهما يشتركان في كونهما مجرمين في نهاية الامر وعندما يعجزان من محاولة اصلاح جهاز الارسال المعطل داخل الفنار يصلان الى حقيقة ان نهايتهما قد كتبت داخل هذا الفنار القديم البعيد المهجور وان الله كتب هذه النهاية بما اقترفت يديهما من جرائم ومصائب طوال حياتهما ويكرران انه هو الذي اراد ذلك ..انها قدرة الله عز وجل . السنوغرافيا : كانت بسيطة ومعبرة بنفس الوقت خاصة فيما يختص بالمؤثرات الصوتية وامتداد صوت الامواج المتلاطمة والنورس المحيط بالمكان اما الاضاءة فكان اللون الازرق المحيط بالمسرح يوحي بلون البحر خارج الفنار واحزمة الضوء التي تتسلل من النوافذ العلوية للفنار توضح عمق المكان وارتفاع النوافذ وقلة فرص الخروج من داخل الفنار بعد ان اوصد الباب وتبخر حلم الخروج من هذه الزنزانة التي صنعوها بأنفسهم أوضحت لعبة الضوء افارق تغير الوقت بالخارج ما بين الليل والنهار، كما لعب الماكياج دور واضح في رسم شخصية المهرج الخارجية ببراعة تامة والذي برع الفنان محمد الجديدي في رسمه على وجه الممثلين . فريق العمل : التأليف والاخراج للاكاديمي محمد الجفري الممثلين : تاجر السلاح خالد الحربي .تاجر الموت : احمد الصمان .البلياتشو : سالم باحميش . فني الإضاءة : بندرعبدالفتاح .فني الصوت : هاشم طاهر واثير زاهر . تصميم الديكور : محمد الجفري .تنفيذ الديكتور نادي الجمال .مساعد المخرج مبروك السلمي . المساعدة الفنية : احمد الزهراني وبدر المطرفي .وادارة الانتاج والمتابعة : علي دعبوش . والاشراف العام : الاستاذ عبدالله عمر باحطان، مدير فرع الجمعية بجدة العرضين في غرب المملكة وشرقها صادفا الكثير من النجاح واهتمام المتابعين لما تمتع به من روح اكاديمية في التأليف والاخراج والخبرة من قبل المثلين المبدعين . ومن المتوقع ان تشارك هذه المسرحية في " مهرجان المسرح العربي " في دورته الخامسة عشر بالعاصمة الأردنية عمان خلال شهر نوفمبر القادم ان شاء الله تعالى .