الكتاب الضخم الذي حمل عنوان " قاسم حداد .. فتنة السؤال " جاء حوارا متعدد الاطراف .. الطرف السائل الذي ناقش واستنطق واستثار اجوبة وأفكارا واراء في الفن والشعر والفكر والذات والحياة عامة .. اما طرفه الاخر اي " المجيب " فكان الشاعر البحريني البارز . اما المحاورون الذين اجروا حواراتهم مع قاسم حداد بين سنة 1996 وسنة 2006 فهم مجموعة من الكتاب والشعراء والروائيين والنقاد والصحافيين من عدة بلدان عربية . وقد حرر الاديب الباحث المصري سيد محمود الكتاب الذي ضم هذه الحوارات وزادت صفحاته على 360 صفخة متوسطة القطع . صدر الكتاب عن " المؤسسةالعربية للدراسات والنشر " و " بيت الشعر ( ابراهيم العريض ) مركز الشيخ ابراهيم بن محمد ال خليفة للثقافة في البحرين ". المحاورون كانوا .. احمد خضر واحمد الواصل واسامة الرحيمي واسكندر حبش وبهية مارديني وجمال الغيطاني وجعفر عمران ومحمد البنكي ومحمد طعيمة ومحمد صلاح الحربي وموسى برهومة وحسن عبد الموجود وحسونة المصباحي ورولا قباني وزينب عساف وسامر ابوهواش وسامي الفليح وسلام سرحان وسيد محمود وعبده وازن وعبد الحميد المحادين وعبد اللطيف الجعفري وعبد الله السفر وعبد الله خليفة وعدنان حسين احمد وعزت القمحاوي وغسان الشهابي ونوري الجراح ووليد معماري . الباحث والناقد صبحي حديدي كتب مقدمة بعنوان " اوركسترا " ومما قاله فيها " هذه التعددية في اصوات محاوري قاسم حداد لا تقتصر على تباينهم في الرأي وتغاير اهتماماتهم واولويات ما يبحثون عنه عند الشاعر فحسب .. بل هم يتعددون ايضا على اسس وظيفية تخص موقع كل منهم من سيرورة التأليف والكتابة .. منهم الشاعر والروائي وبينهم الباحث وفيهم المفكر فضلا عن الصحافي ..." وقال ان مادة الكتاب تعتمد على انتخاب " بالغ الدقة وعالي الحساسية لعدد من الاسئلة التي جاءت في حوارات متغايرة السياقات متباينة الامكنة والازمنة جرى انتقاؤها وتبويبها في فصول مرنة . الموضوعات عريضة النطاق ضمن منهجية متكاملة تضفي على تعدد اصواتها تناغما اوركستراليا رفيعا ." وتحدث محرر الكتاب سيد محمود عنه تحت عنوان " فكرة هذا الكتاب ". وتخلل الحوارات عدد من القصائد للشاعر . من نماذج الاسئلة التي طرحت على الشاعر في تلك الحوارات سؤال لبهية مارديني عن طقوس الكتابة لديه . رد قاسم حداد بقوله " كنت في فترة مضت اتوهم بأنني من الممكن ان اكتب القصيدة في دفقة واحدة . وقد تخلصت من هذا الوهم بفعل تراكم التجارب والطعن في السن ... بدأت بنقل المسودات من الورق اولا ومن ثم صرت الان لا احسن كتابة جملة مفيدة بالقلم . انه انتقال كوني غير قابل للوصف بسهولة وعجالة مثل هذا الحديث . اصبح الاشتغال على النص دون اي وساطة اخرى وأشعر ان للقصيدة على شاشة الكومبيوتر شكلا مختلفا الى درجة الاحساس بأن النص اكثر حياة على الشاشة منه على الورق . هناك النص يعيش وينمو ويتبلور ." اضاف يقول "...ان الكتابة دفعة واحدة يمكن ان تفوت على الكاتب الكثير من المتعة والمكتشفات وتحقيق الافضل .. فثمة صور بحاجة الى اشباع وتركيز وبلورة . ومن هنا تأخذ الكتابة في بعض المراحل جماليات تضاهي الكتابة الاولى للنص ... اما الكتابة في المراحل الاخرى فيتعرف الشاعر نفسه على النص كناقد ومراجع ." وردا على سؤال لاسكندر حبش عن دوافعه للكتابة وهل تغيرت هذه الدوافع قال الشاعر الكبير " الشعر مثل الافق .. لا تستطيع ان تفعل شيئا سوى ان تذهب اليه . والطريق الى الشعر مثل الطريق الى الحب .. هو دائما اجمل من الشعر ومن الحب . كأن في هذا ما يشي بكلمة النفّري عندما قال بان في المغامرة شيئا من النجاة . شعريا احب ان ارى في التجربة سفرا متواصلا لا يكف عن التألق بقدر تأجج شهوة العشق في القلب ..." وقال له وليد معماري " من يقرأك يشعر بأنك اتيت من عتمة ثم بعد لحظة اضاءة خاطفة تمضي الى عتمة جديدة . " رد قاسم حداد قائلا " في احد نصوص كتاب " قبر قاسم " وصفت الحياة بأنها " ضوء صغير بين ظلامين " لا اعرف اذا كان هذا الوصف يصلح لاضاءة انطباعك الوهلي عن تلك الفترة الافتراضية في النص ..." وردا على سؤال اخر لوليد معماري عما اذا كان الشاعر عامة يتصرف مثل وحش جريح ومحاصر استشهد حداد بكلام لفرانز كافكا هو ان مجرد الخروج من عتبة الدار هو بمثابة المجازفة غير المأمونة العواقب . وقال " تعال اخبرني عن مسافة عربية وغير عربية بالطبع غير محفوفة بالخطر . بالطبع لا اقصر كلامي على الخطر الافتراضي الذي يواجه الإنسان المعاصر بل اعني على الاخص الخطر بوصفه الفيزيائي المباشر حيث المرء في مهب المداهمات منذ لحظة استيقاظه الاولى من النوم حتى سقوطه في الاغماء اخر الليل .. قد يكون الانسان في مطار او طائرة او غرفة هاتف او مأدبة عشاء متأخر او حتى في لحظة حميمية . تعال اخبرني عن مكان امن للحب في هذا العالم ."