تقوم شركات الأمن الخاصة في جنوب أفريقيا على حماية ملايين الأشخاص يوميا، وبينهم رجال الشرطة أنفسهم.وبالمثل يقبل الآلاف من مشجعي كرة القدم الأجانب الآن على هذه الشركات طلبا للحماية خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها البلاد خلال شهري يونيو ويوليو المقبلين.ومنذ فوزها بحق تنظيم أول بطولة لكأس العالم في القارة السمراء قبل ستة أعوام تحاول جنوب أفريقيا، التي تعاني من أحد أعلى معدلات جرائم العنف في العالم، أن تثبت للعالم أنها تستطيع تنظيم بطولة "آمنة". وسبق لجنوب أفريقيا أن استضافت 41 بطولة دولية بنجاح منذ عام 1994، ومن بينها بطولتا كأس عالم للكريكيت والرجبي. ويرى المنظمون أن هذا الأمر يبرهن على قدرة البلاد على بسط سيادتها الأمنية خلال مثل هذه البطولات العالمية. كما يشير المنظمون إلى أن تسعة ملايين شخص يزورون جنوب أفريقيا كل عام دون أن تطالهم الجريمة.ويقول بيكي سيلي، المفوض العام للشرطة الوطنية في جنوب أفريقيا، بثقة : "سنكون مستعدين لمواجهة أي طوارئ في الجو أو في البحر أو في البر".ولكن الشك لايزال يساور الفرق الأجنبية والشخصيات المهمة والأطقم الإعلامية التي ستتجه إلى جنوب أفريقيا حيث يخشون الانضمام إلى قوائم الضحايا التي تضم في المتوسط 50 قتيلا يوميا أو نحو أربعين شخصا تتعرض سياراتهم للخطف يوميا هناك.ومع تقاضي الحارس الشخصي المدرب نحو 300 يورو يوميا فقد بدأ المقتدرون يحولون اهتمامهم إلى جيش الحراسة الخاصة في جنوب أفريقيا طلبا للحماية.وصرح بوب نيكولز، مؤسس شركة "نيكولز ستاين وشركاه" أحد أبرز شركات حماية الشخصيات المهمة في جنوب أفريقيا : "وصلنا إلى درجة أننا صرنا نرفض قبول المزيد من الزبائن". وأوضح نيكولز أن شركته، التي توفر الحماية الأمنية للدوري الهندي الممتاز للكريكيت وسبق أن عملت في حفلات توزيع جوائز الأوسكار ودورة الألعاب الأولمبية "بكين 2008"، أختيرت لحماية آلاف الزائرين إلى جنوب أفريقيا بداية من الأثرياء ورجال الأعمال الكبار ووصولا إلى مجموعات تضم ما يصل إلى 50 من حاملي تذاكر الشركات وأسرهم. وفي الوقت الذي طلب فيه بعض الزبائن ارتداء قمصان واقية من الرصاص أو الطعن، وهو ما وصف في جنوب أفريقيا بأنه خوف هستيري، أوصى ستاين بعدم التمادي في الذعر إلى هذه الدرجة وكذلك الأمر بالنسبة للسيارات المصفحة حيث أكد أن هذه إجراءات تطبق في حالات استثنائية ولا يمكن اعتبارها قاعدة. وكانت شركة أمن ألمانية قد أثارت جدلا كبيرا العام الماضي عندما نصحت لاعبي المنتخب الألماني بارتداء قمصان واقية من الرصاص عند خروجهم من الفندق الذي يقيمون به خلال مونديال 2010، ولكن معظم الخبراء وصفوا هذا الاقتراح بأنه "هستيري".ويبرر جاي نيكولز، الرئيس التنفيذي لشركة "باسكو" للأمن والتي تسهم أيضا في توفير الأمن خلال المونديال،:"إذا كانت الخطورة كبيرة لدرجة أنك تحتاج ارتداء قميص واق من الرصاص، علينا أن نسأل أنفسنا حينها لماذا نذهب إلى هذا المكان الخطير من الأساس؟". وقال نيكولز، البريطاني الأصل،:"لدينا ما يزيد على مئة مجموعة" حيث تضم قائمة زبائن شركته الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم وعددا من الفرق الإعلامية الأجنبية والشخصيات المهمة الذين تتراوح مطالبهم بين الحراسة الأمنية وتوفير سائقين بارعين في فنون المراوغة وبين الحرس الخاص والفرق سريعة الاستجابة التي يمكن استدعاؤها بمجرد الضغط على "زر جهاز الخوف". ورصدت وزارة العمل الجنوب أفريقية أكثر من 4700 شركة أمن مسجلة توظف أكثر من 300 ألف شخص للقيام على حراسة المنازل والشركات وحتى مراكز الشرطة نفسها.ويمتلك بعض شركات الحراسة في جنوب أفريقيا أشخاصا بيض هم من الجنود السابقين أو كانوا أعضاء بالقوات الخاصة للجيش الجنوب أفريقي ولكنهم انتقلوا للعمل في القطاع الخاص بعد انتهاء عهد سياسة الفصل العنصري. لذلك لم يكن من الغريب أن ينظر بعض من يعمل في هذه المهنة إلى بطولة كأس العالم على أنها فرصة كبيرة لتحقيق أرباح حتى لو دفعهم الأمر إلى تزييف الحقائق قليلا.وكتبت شركة تطلق على نفسها "أمن كأس العالم" على موقعها الإلكتروني تقول : "يتحول السائحون إلى ضحايا حوادث خطف السيارات على الطرق القريبة من المطارات بصفة يومية". وتعرض الشركة، التي لا يمكن الاتصال بها سوى عن طريق البريد الإلكتروني، توفير الحماية على مدار الساعة للمجموعات، وتحذر قائلة : "عادة ما يكون مجرمو جنوب أفريقيا مسلحين وأحيانا لا تأخذهم بأحد شفقة أو رحمة، ونحن لا نختلف عنهم ولكن تكلفتنا أقل". بينما تقوم بعض الشركات الأخرى التي تدعي الخبرة بمنح دورات تدريبية سريعة لمن يريد العمل في الحراسات الخاصة استعدادا لكأس العالم.ويقول بوب نيكولز : "إننا على دراية تامة بالشركات التي تستعين بحراس يتلقون تدريباتهم من الآن وحتى كأس العالم وحسب". ولكن معظم زوار كأس العالم، الذين يقدر عددهم بنحو 300 ألف زائر أجنبي، سيضعون ثقتهم في الشرطة والنظام الأمني القائم في البلاد.وقد خصصت جنوب أفريقيا 44 ألف شرطي للعمل خلال كأس العالم في إطار خطتها الأمنية التي تصل تكلفتها إلى 3ر1 مليار راند (164 مليون دولار) والتي استغرق وضعها أربعة أعوام لتنال إشادة الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) والشرطة الدولية (الإنتربول). وستلقى الشرطة معاونة 200 وحدة عالية التقنية ومتخصصة في "التدخل السريع" في جميع محافظات كأس العالم الإحدى عشرة. وأثبتت بعض عناصر هذه الوحدات بالفعل كفاءة عالية في تسلق المباني والقفز من المروحيات خلال عرض شهدته مدينة جوهانسبرج مؤخرا.الطريف أن الشرطة الجنوب أفريقية فوجئت في اليوم نفسه بتقارير عن اعتقال مشتبه فيه سعودي ينتمي لتنظيم القاعدة في العراق لاتهامه بالتخطيط لتنفيذ اعتداء خلال بطولة كأس العالم.وإن كان تنظيم القاعدة في العراق نفى تماما تورطه في أي مخطط لاعتداء يستهدف البطولة، فيما نفى الفيفا أن يكون لديه أي فكرة عن وجود تهديد حقيقي تجاه كأس العالم.