• شاءت الظروف وأجبرتني أن اخرج من منزلي الكائن بحي النسيم إلى الشوارع التي تحيط به في عروس البحر الأحمر أثناء مواجهة الاتحاد والهلال على نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال. • كانت الشوارع شبه خالية من المارة والسيارات رغم أننا كنا في الساعة العاشرة مساء.. لم يكن هناك احد من البشر سوى بعض الهنود وقليل من سيارات الليموزين الخالية من الركاب.. • وكأن الناس قد هجروا المدينة المكلومة المجروحة التي عانت الأمرين في هذا العام الحزين بعد كارثة السيل المخيفة.. وبعد انكسار الناديين الجداويين في هذا العام بالذات. • كان منظر الشارع الخالي غريبا عن العادة في مثل هذا الوقت من كل يوم حين يشتد الازدحام وتعلو أصوات أبواق السيارات ويزداد ضجيج البشر. • كل سكان المدينة بكل ميولهم كانوا متسمرين أمام شاشات التلفزيون لينشغلوا بمشاهدة تلك المباراة الهامة عن كل أمور حياتهم الأخرى!! • كل الناس كانوا يتابعون المباراة وليس الاتحاديون والهلاليون فحسب بل حتى الأهلاويين والنصراويين كانوا مشتركون في تلك المواجهة بالميل إلى احد الطرفين. • عدت إلى متابعة الشاشة وحتما فإن نتيجة المباراة ستكون مصيرية وقاضية وصاعقة ..وخاصة بالنسبة لسكان جدة ومنهم الاتحاديين بالذات. • فالهزيمة تعني مزيدا من الحزن والانكسار وتجرع مرارة الفشل للمرة السادسة على التوالي في هذا العام الكئيب. • ألا تكفينا مشاكلنا وهمومنا في كل أمورنا المعيشية فلا نستطيع تحمل المزيد من الهموم والأحزان والآهات حتى في مشاهدة كرة القدم!! • إلى هنا وبس!!! يكفي حزن .. يكفي ألم .. يكفي هموم. • فقد توقفت الأحزان وأبى الاتحاديون أن تغرق جدة في بحر أحزانها .. وسيول آلامها ودموعها التي رسمت خطوطا سوداء على خدها الفاتن الجميل. • لم يكن الاتحاديون يلعبون بأقدامهم .. بل كانوا يلعبون بقلوبهم التي تضخ روح الإصرار والعزيمة في أبدانهم بكل قوة ورجولة حتى استطاعوا أن يحشروا خصمهم في زاوية ضيقة في ملعبه وجعلوه يتراجع مجبرا مستسلما ومسلما بكل شيء ومسلما بنتيجة المباراة من الدقيقة الأولى وحتى الدقيقة الأخيرة. • كان الاتحاديون يضيعون فرص التسجيل واحدة تلو الأخرى .. فتأتي الصور على جماهير الاتحاد فأراهم يبتسمون وأنا في غاية الغضب .. وكأنهم واثقون أن فريقهم حتما سينتصر .. حتى جاءت الدقيقة التسعين وهنا لاحت فرصة الحسم الأكيدة .. ضربة جزاء قاتلة .. في وقت قاتل .. وبين قدمي لاعب مقاتل!! • عندما تقدم نور للتنفيذ وضعت يداي على وجهي وأغمضت عيناي .. ولاحت أمامي أحزان جدة وهموم أهلها فقلت لعل كرة القدم ستمنحنا قليلا من الفرحة التي افتقدناها طويلا .. فإذا بنور يقطع حبل أفكاري الحالمة ويصوب كرة ضعيفة منكسرة يحتضنها حارس المرمى بكل سهولة ليقتل الآمال السعيدة ويعيدنا إلى دوامة الحزن بسرعة شديدة ..وعندها أيقنت أن الفرح هذا الموسم سيكون من سابع المستحيلات. • لم أفق من تلك اللحظات الصعبة حتى أضاع الفريدي ضربة الترجيح الهلالية فاستبشرت خيرا وتمنيت أن يتقدم أي لاعب للتسجيل ما عدا نور وصرخت بقوة: أي لاعب إلا نور!! • مرت اللحظات بسرعة وإذا بي أفاجأ بتقدم نور فورا إلى التسديد فصرخت مستنكرا ولم انته من كلمتي حتى اهتزت الشباك واهتزت القلوب فسجل نور وحسمها وكنت أظنه لن يفعل!! • لم اصدق أن المواجهة قد انتهت وفاز فيها الاتحاد .. ولم اصدق أن شلالات الفرح ستنتشر في كل شوارع جدة .. وان الألوان الذهبية الصفراء البراقة ستنتشر في كل الطرقات والأحياء ..لتسر الناظرين ..وتزرع البسمة في كل الوجوه وتنشر الفرحة في كل القلوب المتعطشة إلى بطولة غائبة ومجد تليد وانتصار مؤزر مشهود لتتويج (بطل الأبطال) على شرف ملك القلوب في مملكتنا الحبيبة. [email protected]