تبدأ اليوم زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – الى مملكة البحرين والتي تأتي ضمن الاطار الذي تتبعه المملكة العربية السعودية في صهر التعاون بين المنظومات الخليجية وتعميق العلاقات المشتركة بينها، حيث تنضوي هذه الزيارة على عدة مضامين كونها سترسم معنى صلباً وجديداً في علاقات البلدين الشقيقين فضلاً عن تشكيلها لفصل جديد في تكملة المسيرة الرائدة في مجال العلاقات الثنائية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعتبر زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى البحرين بالتاريخية باعتبارها الأولى بعد أن تولى سدة الحكم في المملكة – حفظه الله –. علاقات تاريخية تتسم العلاقات بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية بكونها علاقات تاريخية تقوم على التواصل والود والمحبة بين قيادتي وشعبي البلدين وتشهد تطورا مستمرا على كل المستويات انطلاقا من الثوابت والرؤى المشتركة التي تجمع بينهما تجاه مختلف القضايا وروابط الأخوة ووشائج القربى والمصاهرة والنسب ووحدة المصير والهدف المشترك التي تجمع بين شعبيهما فضلا عن جوارهما الجغرافي وعضويتهما في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية. ترجمة لطبيعة العلاقات وتمثل الزيارة ترجمة حقيقية لطبيعة العلاقات المتميزة بين البلدين والتي تتسم بتعدد محاورها وأبعادها فعلى الصعيد السياسي تشهد العلاقات بين البلدين قدرا كبيرا من التنسيق في المواقف من القضايا الاقليمية والدولية التي يتم تداولها في مؤتمرات قمم مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والأممالمتحدة وغيرها من المحافل الدولية. زيارات متبادلة كما تعد الزيارات المتبادلة التي تقوم بها القيادة السياسية وكبار المسؤولين في البلدين دليلا واضحا وملموسا على الرغبة في ايجاد علاقات تقارب خاصة وتترجم معنى الشراكة الحقيقية وتعميق التعاون في كافة المجالات بين البلدين بما ينعكس ايجابا على وحدة وتماسك الصف الخليجي والعربي فقد قام جلالة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بزيارة للسعودية في السادس من مايو من العام 2006 حيث ترأس وفد المملكة في الاجتماع التشاوري الثامن لدول مجلس التعاون وكان جلالته قد قام بزيارة أخوية للسعودية في أكتوبر 2005 كما سبق لجلالته وأن زار السعودية في مارس من العام 2005 كذلك كان جلالته قد كلف الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس الوزراء بزيارة الى الرياض في مطلع أبريل 2006 حيث بحث خلالها العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين الشقيقين والأوضاع في المنطقة والقضايا موضع الاهتمام المشترك فضلا عن الزيارات المتعددة التي يقوم بها كبار المسؤولين والوزراء في البلدين بصورة متكررة على مدار العام. جذور تاريخية متينة ترجع العلاقات بين السعودية والبحرين إلى الدولة السعودية الأولى (1745–1818م) حيث اتجهت شطر البحرين لتحقيق عدة أهداف من ضمنها تدعيم الروابط الاقتصادية بين الدولتين . ومن بعدها الدولة السعودية الثانية (1840 – 1891م) .وفي خلال تلك المدة تمت العديد من الزيارات بين البلدين ، كان هدفها التشاور والتعاون لما فيه مصلحة بلديهما . فقد زار البحرين الأمير سعود بن فيصل بن تركي في 14 ذي القعدة 1287ه / 1870م قام فيها بإهداء الشيخ عيسى آل خليفة سيف جده ( تركي ) المسمى بالأجرب ، توكيداً للصداقة بينهما. كما قام الأمير عبد الله بن فيصل بزيارة البحرين في 9 جمادى الآخرة 1304ه / 26 أغسطس 1887 م . كانت أول زيارة قام بها الإمام عبد الرحمن بن فيصل والد الملك عبد العزيز حوالي عام 1293ه/ 1876م، وكان ذلك بعد نحو سبعة أعوام من تولي الشيخ عيسى بن علي آل خليفة الحكم ، وقبل ولادة الملك عبد العزيز. زيارة الملك عبد العزيز الأولى للبحرين ( 1348ه / 1930م ): جاءت زيارة الملك عبد العزيز الأولى للبحرين في أعقاب الدعوة التي وجهت إليه للالتقاء مع الملك فيصل ملك العراق في 21 رمضان 1348ه / 27 فبراير 1930م، وكان الهدف منها العمل على تحسين العلاقات بين الدولتين. فعقدت بينهما ثلاثة لقاءات أعرب فيها العاهلان عن الصداقة وحسن النية لكل منهما تجاه الآخر. وبعد أن أتم الملك عبدالعزيز لقاءه مع الملك فيصل ، أراد في طريق عودته أن يزور صديقه القديم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة شيخ البحرين . ومن المرجح أنه كان يريد إطلاعه عما دار بينه وبين الملك فيصل من حديث وما تطرقا إليه من موضوعات، حيث أن الملك عبد العزيز كان يثق ثقة تامة في الشيخ عيسى، وكان يستشيره في كثير من الأمور، وهذا واضح من الرسائل المتبادلة بين العاهلين. هذا بالإضافة إلى العلاقات المتنامية بين البلدين. استقبال حافل قوبل الملك عبد العزيز في هذه الزيارة بحفاوة بالغة من قبل الشيخ عيسى بن علي آل خليفة شيخ البحرين ، ودار حوار بين العاهلين ، طرح فيه الملك المشكلات التي تواجهه في سبيل قيام مملكة موحدة، يعيش فيه الجميع في أمان ورخاء. واستمرت إقامة الملك يومين كان فيهما موضع حفاوة وتكريم من قبل الحكام وشعب البحرين. وفي هذه الزيارة وجه عبد العزيز الدعوة للشيخ حمد للحج وهو يودعه قائلاً :" لن أرضى حتى أراك في مكة " . وقد لبى الشيخ حمد الدعوة في عام 1357ه / 1939م. زيارة ولي العهد الأمير سعود للبحرين بعد الزيارة السالفة للملك عبد العزيز بحوالي سبع سنوات ، وفي 10 شوال 1356ه / 15 ديسمبر 1937م على وجه التحديد زار الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية آنذاك الشيخ حمد شيخ البحرين ، استقبله في الميناء الشيخ محمد بن عيسى ، والشيخ سلمان الابن الأكبر للشيخ حمد مع بعض أفراد الأسرة ، وأربعون من التابعين . واستمرت الزيارات المتبادلة بين القيادتين في المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين في جميع المناسبات والانجازات بين البلدين خير دليل على تأكيد عمق هذه الروابط الأخوية بين القيادتين والشعبين الشقيقين، ولاشك ان الاهتمام المتزايد من قبل القيادة السياسية في البحرين والسعودية على تطوير مجالات التعاون بين البلدين يشكل حافزاً كبيراً على الارتقاء بشكل العلاقات الثنائية وتعدد مجالاته في المستقبل بما يعود بالنفع والخير على الشعبين الشقيقين. الصعيد السياسي على الصعيد السياسي فتشهد العلاقات بين البلدين قدراً كبيراً من التنسيق في المواقف من القضايا الاقليمية والدولية التي يتم تداولها في مؤتمرات قمم مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأممالمتحدة وغيرها من المحافل الدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية حيث يتبنى البلدان رؤية موحدة بضرورة وجود حل عادل يضمن الاستقرار والامن في المنطقة العربية والشرق الاوسط التعاون الاقتصادي والاجتماعي وعلى الصعيد الاقتصادي الذي يمثل أبرز مجالات التعاون بين البلدين تعد السعودية الشريك التجاري الأول للبحرين حيث تشير نتائج أخر دراسة لمسح الاستثمار الأجنبي في البحرين والتي تمت بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ومنظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى حصول المملكة العربية السعودية على المرتبة الأولى من حيث تدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة في مملكة البحرين في العامين 2001 و 2002 والتي بلغت نسبتها فيهما 9ر24 في المائة و 25 في المائة على التوالي. توجهات مشتركة وقد كان لتوجهات قيادتي البلدين دورا بارزا في تعزيز ودعم هذا التعاون والذي جسدته المشروعات المشتركة وتفعيل سبل تنمية التبادل التجاري والعمل على ازالة المعوقات التي تواجه العمل الاقتصادي وتسهيل انتقال رؤوس الأموال بين البلدين مما ساهم في تعدد المشروعات الاقتصادية المشتركة بين البلدين الشقيقين والتي تعززت بشكل كبير بعد افتتاح جسر الملك فهد عام 1986. عمق استراتيجي كذلك تمثل المملكة العربية السعودية عمقا استراتيجيا اقتصاديا لمملكة البحرين كونها سوق اقتصادية كبيرة أمام القطاع الخاص البحريني لترويج البضائع والمنتجات البحرينية في المقابل فان البحرين تمثل امتداد للسوق السعودية في ترويج البضائع والمنتجات السعودية وفي هذا الاطار يضطلع مجلس رجال الأعمال البحرينيين والسعوديين بدور كبير في سبيل زيادة حجم الأعمال والمشاريع المشتركة. كما أن مملكة البحرين بفضل ما تتمتع به من سياسات اقتصادية تقوم على الانفتاح وتنويع مصادر الدخل وسن تشريعات تحمي المستثمرين والاستثمارات استطاعت أن تستقطب الكثير من الاستثمارات السعودية إليها والتي أصبحت تستحوذ على النصيب الأوفر من السوق الاستثمارية البحرينية اذ بلغت الاستثمارات السعودية في مملكة البحرين حتى أكتوبر عام 2005 ما يزيد على 700 مليون دينار أما نسبة الاستثمارات المملوكة من الشركات السعودية المسجلة بمملكة البحرين فبلغت أكثر من مليار دينار بحريني فيما بلغ عدد الشركات الفاعلة التي فيها استثمار سعودي حوالي 315 شركة بينما بلغ عدد الشركات السعودية العاملة والمسجلة في مملكة البحرين 43 شركة. العديد من الاتفاقيات المبرمة ايضاً تم ابرام العديد من المشاريع التكاملية في إطار مجلس التعاون ومنها العملة الموحدة والربط الكهربائي ومشروع سكة الحديد وغيرها من المشاريع الى جانب مشاريع مشتركة بين اصحاب المال والاعمال في البلدين الشقيقين. شريك تجاري رئيسي كما أن السعودية تمثل الشريك التجاري الاول والرئيسي لمملكة البحرين منذ القدم. فإجمالي صادرات السعودية للبحرين في عام 2008م بلغ نحو 4ر35 مليار مقارنة ب 5ر11 مليار في عام 2004م، بينما بلغ أجمالي واردات السعودية من البحرين في نفس العام 4ر4 مليار ريال مقارنة ب9ر1 مليار في عام 2004م وبلغت المشاريع والاستثمارات البحرينية السعودية المشتركة والمقامة في السعودية والمرخص لها نحو 13 مليار ريال، والشركات السعودية تتواجد بكثافة في البحرين فهناك ما يصل إلى 45 وكالة سعودية للتجارة مسجلة في البحرين و35 فرعاً لشركات سعودية في مجالات الاستثمار و896 قطاعا.. وكل هذه الشركات تشكل ثقلا اقتصاديا مهما للبحرين، ومن المتوقع ان يشهد هذا العام قيام شراكات وتحالفات سعودية بحرينية .. وزيارة خادم الحرمين الشريفين سوف تعزز امورًا كثيرة في هذا المجال، اما على صعيد الجهود المشتركة بين اصحاب الاعمال فتوّجت هذه الجهود بتبني مجلس الاعمال السعودي البحريني في اجتماعه الذي استضافته غرفة تجارة وصناعة البحرين بتاريخ 17/مارس/2010م لمشاريع مهمة عديدة سيجري استكمال النظر فيها ومنها على سبيل المثال لا الحصر تأسيس شركة سعودية بحرينية لتصدير الرمل، مشروع شركة القابضة في البحرين، تأسيس شركة وساطة مالية، إقامة مؤتمر الاعمال السعودي وشركة النقل ما بين البحرين والسعودية، واهداف المجلس المشترك الذي اتفقنا مع الجانب السعودي فيه هي بذل كافة الجهود التي من شأنها تهيئة المناخ المناسب لتحقيق المزيد من التطور في العلاقات الاقتصادية، وكذلك تشجيع ودعم الصادرات وتبادل السلع والخدمات وإقامة الفعاليات المشتركة بين البلدين والعمل على إزالة أي عقبات أو صعوبات تواجه قطاعات الاعمال في البلدين وتفعيل الآليات المؤدية الى إقامة المشاريع الاستثمارية المشتركة، وفتح قنوات الاتصال المباشر بين القطاع الخاص في البلدين وتم تأسيس لجنة تنفيذية منبثقة عن المجلس لمتابعة تنفيذ المشاريع المتفق عليها ولبحث سبل تذليل المعوقات، ونتمنى ان يكون لهذه الزيارة التاريخية دور هام في تسريع المشاريع المتفق عليها في اطار مجلس الاعمال البحريني السعودي وتدعيم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتعزيز آفاق التعاون القائم وزيادة الاستثمارات والتجارة البينية وتطوير الشراكة الاقتصادية بين شركات ومؤسسات القطاع الخاص والزيارة تعطي دفعة مستقبلية لكافة الأمور الاقتصادية بين البلدين. تنامي حركة السياحة بين الجانبين شهدت حركة السياحة بين البلدين تناميا ملحوظا بفضل الاجراءات التي اتخذتها البلدان فيما يتعلق بالدخول والخروج عبر جسر الملك فهد ومنها القرار الصادر عام 2003 بعدم ختم جوازات السفر والسماح للسعوديين والبحرنيين بالدخول في كلا الاتجاهين ببطاقات الهوية فقط اضافة الى الجهود التي تبذلها البحرين لتنمية النشاط السياحي من خلال اقامة المنشات السياحية المتطورة وتشجيع السياحة العائلية وسياحة اليوم الواحد التي جذبت عدد كبير من السعوديين نظرا للقرب الجغرافي وسهولة الدخول عبر جسر الملك فهد الذي لا يتجاوز طوله 25 كيلو مترا بين البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية. تعاون ثقافي مضطرد وفي المجال الثقافي فعلاقات التعاون بين البلدين متشعبة وتغطي جميع المجالات الفنية والأدبية والتراثية والاعلامية حيث تقام معارض الفنون التشكيلية بصفة دورية في كلا البلدين اضافة الى اهتمام البلدين بتنظيم مهرجانات الأيام الثقافية سنويا كما أن البحرين تحرص على المشاركة في فعاليات مهرجان الجنادرية الذي يقام في السعودية ويعد الجناح الخاص بالبحرين من أكبر الأجنحة الخليجية وذلك لما لهذا المهرجان من أهمية كأحد أهم المهرجانات الثقافية التي تقام في المنطقة وتعكس هذه المشاركة مدى الترابط الثقافي القوى الذي يربط بين البلدين. ولاشك أن الاهتمام المتزايد من قبل القيادة السياسية في البحرين والسعودية على تطوير مجالات التعاون بين البلدين يشكل حافزا كبيرا على الارتقاء بشكل العلاقات الثنائية وتعدد مجالاته في المستقبل بما يعود بالنفع والخيرعلى الشعبين الشقيقين.