مازلنا نقول: المياه هي جدةوجدة هي المياه واعتقد ان كلاهما ينتمي الى الآخر بدليل ان البحر ينسب إلى جدة، وجدة تنسب اليه دائما فتسمى عروس البحر الاحمر.. ولكن كما نقول في المثل الشعبي للانسان الغاضب اذا لم يجد مكاناً ليصب جام غضبه فيه فنقول له: "روح واشرب من البحر".. وها هي جدة الحزينة غضبت وغضب اهلها كثيرا وصرنا جميعاً نشرب من البحر سواء كانت مياه البحر محلاة او بغير (تحلية) المهم اننا اصبحنا نشرب منه.. فكل يوم تنقطع فيه المياه نهرول الى شراء "وايت".. وما اكثر الوايتات في شوارعنا لدرجة انه يخيل الى ان الوايتات اصبحت معلماً جماليّاً من معالم جدة الحبيبة وأحد رموزها التي لا نستغني عنه ابدا.. فلولا هذا الوايت لمات اهل جدة عطشاً!! وفي خضم الاحداث التي تحيط بجدة واهلها وفي الوقت الذي تغرق فيه جدة ولم يتخل عنها اهلها.. اقول ان جدة مسكينة.. نعم مسكينة.. لقد وقعت ضحية الفساد من كافة اشكاله وانواعه وألوانه.. وقد عانت من قضايا الظلم والجشع والاهمال.. ان جدة كانت تغرق في (شبر موية) ولم تعالج المشكلة بالتصريف الى هذه اللحظة.. فما بالكم بسيول كاسحة تهاجمها من كل مكان.. ولو نجت جدة من السيول فلن تنجو من انفجار بحيرة المسك إلا ان يتغمدنا الله جميعا برحمته ثم (فزعة) تأتينا بصحوة أمانة جدة.. حينها فقط نكون في امان بإذن الله.. ويؤسفني ان اقول انه في الوقت الذي غرقت فيه جدة بمياه الامطار كانت خزانات المياه خالية تماما.. فلقد استغل بعضهم تواضع اهل جدة وطيبتهم وبساطتهم فباعوا لهم المياه التي جعل الله منها كل شيء حي.. لقد باعوا المياه التي كانت منذ بدء الخليقة وهي رزق مجاني لا يباع ولا يشترى.. وها هي المياه التي باعوها واستغلوها تكون سبباً للهلاك.. فسبحان الله العظيم.. لن أقول كما قال بعضهم انه عذاب او اعقاب من الله لأن الله تعالى يقول في محكم تنزيله: (ولا تزر وازرة وزر اخرى).. لأنه لم يعانِ من الامطار والسيول الا المساكين والمغلوب على امرهم كما رأينا وسمعنا وقرأنا.. فهذا هو قضاء الله تعالى.. ولن اقول انه فساد اداري فالتحقيق مازال جاريا والمتسبب مازال مجهولا على الاغلب حتى الآن الى بعد حين.. ولكنني استطيع ان اسمي ان ما يحدث الآن هو (تذكير) "وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين".. وهي كذلك تنفع الغافلين.. فدعونا نرجع ونتوب ونستغفر عسى ان يكتبنا الله في زمرة المستغفرين.. استغفر الله العظيم.. ان ما حدث وسيحدث ما هو الا نتاج الغفلة واللهو والاهمال.. ليس في ديننا فحسب.. بل في دنيانا ايضا.. لقد ضيعناها فضعنا.. وغفلنا فبغتنا.. وقصرنا فأهلكنا بما فعلت ايدينا.. اننا في زمن العولمة.. أليس من الأجدر والأحوط ان نعمل بحسن تصرف وسرعة بديهة وبعد نظر.. على المستوى الشخصي.. هل فكر كل واحد منا ان يستعد بمعرفة الاسعافات الاولية ويعلمها لأسرته قبل ان يحصل اي مكروه لا سمح الله.. هل فكر كل واحد بمتابعة الاخبار يوميا ومتابعة احوال الطقس قبل الخروج من المنزل.. هل فكر رب الاسرة في موقع المنزل الذي سيشتريه وسيسكن فيه واسرته هل هو في مأمن ام لا.. وهل توخى كل فرد طرق الامن والسلامة.. حتى طفاية الحريق نعجز عن وضعها في منازلنا.. حتى الكليات والجامعات تكاد تخلو من ادوية واجهزة الاسعافات الاولوية.. اننا مقصرون في حق انفسنا وفي حق اسرنا وقبل هذا او ذاك في حق الله تعالى لاننا لم نستعد لآخرتنا ايضا قبل ان يباغتنا الموت كما باغتتنا السيول.. علينا ان نعد العدة ونعمل (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).. فالذي حدث في جدة انما هو درس ولكنه صعب وقاس وعلينا ألاَّ نجعله يمر هكذا دون ان نتعلم منه شيئا.. ودمتم بخير وعافية وسلام يا اهل جدة ويا جميع أمة الاسلام. حنان محمد الغامدي [email protected]