ذات يوم استوقفني رجل خمسيني أنيق يرتدي ثوباً من قماش قطن انجليزي غالي الثمن وشماغ درجة اولى قبالة أحد معارض السيارات بجدة طالبا بلباقة متناهية مبلغا من المال ليتمكن من العودة إلى بيته الكائن في محافظة الطائف مدعيا بأنه مقطوع من المال.. بعد أيام روى لي صديق ذات الحادثة وكيف رفض أن يقوم بتوصيله إلى مواقف سيارات الاجرة وأن يدفع له المبلغ إلى المحافظة التي يريد كاشفا كذبه.. ومثل هذه الحكايات تكاد لا تعد ولاتحصى.. لأن المتسول يطور أساليبه كلما تكرر رفض تقديم.. فمنذ أن ودع مدينتنا الحالمة و تلك الأماكن الجميلة.. راح يلهو بنصب واحتيال عجيب.. منذ أن امتزجت أفكاره الغريبة وأنا أقف أمامه ؛ نعم أمامه لأصلح من لملمة ارتباكاته والاتكاء على تلك الهاوية المسمى تمثيل الاحتيال الفاضح!! التسول في عيون المحتالين فقدان عزة النفس وفي عيون المحتاجين أهانه يتم جمع الأموال من أناس يقدرون الإنسانية - قررت أن اكتب عن المتسولين..لأنهم أصبحوا ظاهرة نقابلها كل صباح ومساء..عند أشارات المرور وبوابات الأسواق ومحطات الوقود - لا اتهم الكل ولكن البعض.. أنني أشعر بضيق في صدري من المحتالين والنصابين!! أقول في نفسي لهم يا محتالون الفرق بين العقل والخطر حفرة تتسع لبيضة نملة ؛ يضحكون.. فمنهم من يقول ان النمل لا يبيض وهؤلاء هم المحتالون خلف الكواليس ومنهم من يقول البيض فاسد وأنا أقول البيض لحاء يسد عورة أفعالكم وضمائركم الميتة!! فمنذ أن عرفت معنى التملص والتمحيص والتزوير والتسليب والتنصيب والتهيب والمراودة والمراوغة والمرابضة اضرب كف على كف من أفعال المحتالين بالجرأة والوقاحة.. - وسأكتفي بحكاية مع طفل متسول.. كنت قبل أيام أتسوق في بعض متاجر المواد الغذائية.. سحبني رجل من يدي عندما حاولت فض عراك بين طفلين يافعين وقال لي: لا تزعج نفسك فهما متسولان..راقبت العراك فإذ بي أكتشف أنهما اختلفا على مكان تواجدهما، كل واحد يدعي أن هذا المتجر له.. ولم ينتهيا حتى هرب أحدهما وسحب من جيب الآخر هاتف جوال شاكيا لرجل ناداه بأبي زعفران، وبالفعل انتهى الخلاف بأن استوقف هذا الطفل سيارة أجرة وغادر، تابعت الطفل الآخر لنصف ساعة تقريبا فإذا به يجني قرابة ثلاثة مئة ريال.. اقتربت منه وسألته بعد أن أعطيته خمسة ريالات.. ما هو دخله اليومي فقال خير الله، بس مو كله لي. -لمين؟ -للسيارة ولأبو زعفران وللبيت. -أي سيارة؟ -الكابريس اللي تجيبنا للمكان الصبح وتأخذنا المساء. -كم تدفعون لها؟ -100 ريال باليوم. -ولأبو زعفران؟ -200 ريال. - مين أبو زعفران؟ - اللي يراقبلنا دوريات الشرطة ومكافحة التسول. مع هذا الطفل الذي رفض الكلام إلا بعد أن ضاعفت ما دفعته له بالأول، تعرفت على قصة من قصص التسول في جدة.. فهو رغم كونه لم يتجاوز الاثني عشر عاما إلا أنه يعرف القوانين المتعلقة ب (مهنته) فهي بالنسبة له مجرد صعود إلى سيارة الشرطة والمبيت خلف القضبان ومن ثم الوقوف أمام القاضي لأقل من ساعة بعدها العودة إلى الشارع فالتسول من جديد. - محتالون كبار خلف الكواليس بأيادي أطفال أبرياء - لا أريد كسر ريشة قلمي بعد الآن سأتوقف هنا قليلا ربما أعود لأثرثر .